موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرابع: أنواعُ الحالِ


تنقَسِمُ الحالُ بحسَبِ قِيمَتِها وغَرَضِها وفائدتِها في السِّياقِ إلى قِسمَينِ:
حالٌ مؤكِّدةٌ:
وهي التي تدُلُّ على معنًى يُفهَمُ مِمَّا قَبْلَها، كقَولِه تعالى: وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [البقرة: 60] ؛ فإنَّ كَلِمةَ مُفسِدينَ حالٌ منصوبةٌ، لكِنَّها لم تُفِدْ معنًى جديدًا؛ فإنَّ معناها مرادِفٌ لمعنى العامِلِ (تَعْثَوا).
ومنها قَولُه تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النساء: 79] ؛ فإنَّ كَلِمةَ رسولًا حالٌ موافِقةٌ للعامِلِ في اللَّفظِ والمعنى. وتَقولُ: زيدٌ في الحَمَّامِ عُرْيانًا؛ فـ(عريانًا) حالٌ منصوبةٌ، لكِنَّها لم تُفِدْ جديدًا، ومعناها مفهومٌ مِمَّا قَبْلَها.
والحالُ المؤكِّدةُ ثلاثةُ أنواعٍ:
1- مؤكِّدةٌ لعامِلِها: وهي التي تؤكِّدُ العامِلَ نَفْسَه، وهو الفِعْلُ أو ما أشبَهَه. تَقولُ: جاء زيدٌ آتيًا، ومنها قَولُه تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق: 31] ؛ فإنَّ الحالَ (غيرَ بعيدٍ) تُرادِفُ معنى العامِلِ (أُزلِفَت) الذي هو بمعنى التقريبِ.
2- مؤكِّدةٌ لصاحِبِ الحالِ. تقولُ: جاء الناسُ قاطبةً؛ فإنَّ الحالَ (قاطبةً) مؤكِّدٌ لصاحبِ الحالِ (النَّاس)، ومنه قَولُه تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا [يونس: 99] .
3- مؤكِّدةٌ لمضمونِ الجُملةِ: وهي أن يُذكَرَ كلامٌ، ثم تأتي الحالُ مُؤَكِّدةً له، كقَولِ الشَّاعِرِ:
أَنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي
وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ
فالحالُ هنا (معروفًا) جاء توكيدًا لمضمونِ الجُملةِ قَبْلَه، وهو أنَّه من دارة، وينتَسِبُ إليها.
حالٌ مُبيِّنةٌ:
وهي الحالُ التي تُفيدُ معنًى جديدًا ليس مأخوذًا من العاملِ أو سياقِ الجُملةِ. تَقولُ: جاء زيدٌ ضاحكًا؛ فإنَّ الضَّحِكَ لا يُستفادُ من جُملة (جاء زيدٌ).
وقد ذكَرْنا أنَّ الحالَ المؤكِّدةَ يجوزُ أن تكونَ ثابتةً لا منتَقِلةً، وأنَّه لا يجوزُ في المبيِّنةِ إلَّا أن تكونَ منتَقِلةً يُنظَر: ((شرح شذور الذهب)) لابن هشام (ص: 319)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (1/ 605). .
وتنقَسِمُ الحالُ بحسَبِ شَكْلِها إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
1- حالٌ مُفرَدةٌ:
وهي ما ليست جُملةً ولا شبهَ جُملةٍ:
- وهي تُطابِقُ صاحِبَها في النوعِ (التذكيرِ والتأنيثِ)، نَحوُ: أقبَلَ محمدٌ مبتَسِمًا، وأقبَلَت هندٌ مُبتسِمةً، وفي العَدَدِ (الإفراد، والتثنية، والجَمع)، نَحوُ: واجِهِ الصِّعابَ قويًّا، واجِهَا الصعابَ قَوِيَّيْنِ، واجِهُوا الصِّعابَ أقوياءَ، وتقول للمُخاطَبةِ المُؤَنَّثةِ: واجِهي الصِّعابَ قويَّةً، واجِهَا الصِّعابَ قويَّتَيْنِ، واجِهْنَ الصِّعابَ قَوِيَّاتٍ.
2- حالٌ جُملة:
تقع الجُملةُ بنوعيها -اسميَّةً وفِعليَّةً- حالًا إذا وقعت بعد مَعْرِفةٍ.
فمِثالُ الجُملةِ الاسميَّةِ: ننتَصِرُ على العَدُوِّ ونحن يدٌ واحِدةٌ.
ومِثالُ الجُملةِ الفِعْليَّةِ: سرى الفِدائيُّ يتسَلَّلُ نحوَ العَدُوِّ.
شُروطُ الجُملةِ الواقِعةِ حالًا:
يُشترَطُ في الجُملةِ الواقِعةِ حالًا شُروطٌ لا بُدَّ منها:
أ- أن تكونَ خَبَريَّةً: نحو: لَقِيتُ محمَّدًا يركَبُ درَّاجةً، فلا تصِحُّ الجُملةُ الإنشائيَّةُ.
ب- أن تكونَ غيرَ مُصَدَّرةٍ بدليلِ استِقبالٍ، فلا تُعرَبُ (سيَهْدينِ) في قَولِه تعالى: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: 99] حالًا.
ج- أن تكونَ مُرتَبِطةً إمَّا بالواوِ، وإمَّا بالضَّميرِ، وإمَّا بهما معًا يُنظَر: ((أوضح المسالك)) لابن هشام (2/346)، ((شرح التصريح)) لخالد الأزهري (1/389). .
فالواوُ، نَحوُ: لن نَغفُلَ والعَدُوُّ متربِّصٌ، نام الصَّبيُّ ولُعبتُه في يَدِه.
والضَّميرُ، نَحوُ: يُعجِبُني الصَّانِعُ شِعارُه الإتقانُ، لَقِيتُ عَلِيًّا يدُه في جَيبِه.
وبالواوِ والضَّميرِ معًا، نَحوُ قَولِه تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ [النساء: 108] ، فالحالُ جُملةُ: (وهو معهم) ابتدأت بالواوِ الحاليَّةِ، ثمَّ بالضَّميرِ العائِدِ على اسمِ الجلالةِ.
ونحوُ: جاء عليٌّ ويدُه تنْزِفُ.
(جاء) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
(علي) فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
(ويده) الواو: واوُ الحالِ، يَدُ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
(تنزف) فِعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ الرَّفع الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديرُه هي.
وجُملةُ (تَنزِفُ) في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأُ، والجُملةُ الاسميَّةُ (يَدُه تَنزِفُ) في مَحَلِّ نَصبٍ على الحالِ.
3- شِبهُ جُملةٍ: (الظَّرف أو الجارُّ والمجرور).
- جارٌّ ومَجرورٌ، نَحوُ: رأيتُ الطُّيورَ في رحابِ الطبيعةِ.
- ظَرفٌ: رأيتُ عليًّا فوقَ الدَّارِ، رأيتُ الطُّيورَ بَيْنَ الشَّجَرِ والزَّهرِ.
(رأيتُ)  فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
(الطيور) مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
(بين) ظَرْفُ مكانٍ منصوبٌ بالفَتحةِ، وهو مُضافٌ.
(الزهور) مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكسرةُ، والظَّرفُ شِبهُ جُملةٍ  مُتعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ.
ولا بدَّ أن يكونَ صاحِبُ الحالِ في الجُملةِ وشِبهِ الجُملةِ معْرِفةً.

انظر أيضا: