موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الثَّاني: كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ


كَعْبُ بنُ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمى المازِنيُّ، أبو المُضرِّبِ: شاعِرٌ عالي الطَّبَقةِ، مِن أهْلِ نَجْدٍ، كانَ ممَّن اشْتَهرَ في الجاهِليَّةِ، ولمَّا ظَهَرَ الإسْلامُ هَجا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأقامَ يُشبِّبُ بنِساءِ المُسْلِمينَ، فأهْدَرَ النَّبيُّ دَمَه.
ثُمَّ إنَّ بُجيرًا قالَ لأخيه كَعْبٍ: اثْبُتْ هنا حتَّى آتيَ هذا الرَّجُلَ -يَعْني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فأسْمَعَ ما يقولُ، فذَهَبَ بُجَيْرٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأعْجَبَه ما يَدْعو إليه فأسْلَمَ، فبَلَغَ ذلك كَعْبًا فأنْشَدَ:
ألَا أبْلِغا عنِّي بُجَيْرًا رِسالةً
على أيِّ شيءٍ وَيْكَ غيْرُك دلَّكا
على خُلُقٍ لم تُلْفِ أُمًّا ولا أبًا
عليهِ ولم تُدرِكْ عليهِ أخًا لكا
شَرِبْتَ بكَأسٍ عِنْدَ آلِ مُحمَّدٍ
وأنْهَلَك المَأمونُ مِنها وعَلَّكا
فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أجَلْ، لم يُلْفِ عليه أباه ولا أمَّه.
فكتَبَ إليه أخوه يُرَغِّبُه في الإسْلامِ، ويَدْعوه إلى القُدومِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعْتذِرًا، فإنَّه يَقبَلُ مِنه ويَصفَحُ عنه، فجاءَ ودَخَلَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتلثِّمًا، واعْتَذرَ مِنه، وأنْشَدَه قَصيدتَه، فعَفا عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأعْطاه بُرْدتَه، فاشْتَراها مِنه مُعاوِيةُ بعِشْرينَ ألْفَ دِرْهمٍ، وسُمِّيَتِ القَصيدةُ بالبُرْدةِ لِذلك.
ومَطلَعُ البُرْدةِ:
بانَتْ سُعادُ فقَلبي اليَوْمَ مَتْبولُ
مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُجْزَ مَكْبولُ
وما سُعادُ غَداةَ البَيْنِ إذ رَحَلوا
إلَّا أغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ
هَيْفاءُ مُقْبِلةً عَجْزاءُ مُدْبِرةً
لا يُشْتَكى قِصَرٌ مِنها ولا طولُ
تَجْلو عَوارِضَ ذي ظَلَمٍ إذا ابْتَسمَتْ
كأنَّهُ مَنهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلولُ
شُجَّتْ بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحْنيةٍ
صافٍ بأبْطَحَ أضْحى وهْو مَشْمولُ
تَجْلو الرِّياحُ القَذى عنه وأفْرَطَهُ
مِن صَوْبِ سارِيةٍ بيضٌ يَعاليلُ
يا وَيْحَها خُلَّةً لو أنَّها صَدَقَتْ
ما وَعَدَتْ أو لوَ انَّ النُّصْحَ مَقْبولُ
لكنَّها خُلَّةٌ قد سِيطَ مِن دَمِها
فَجْعٌ ووَلْعٌ وإخْلافٌ وتَبْديلُ
ومِنها:
يَسْعى الوُشاةُ بجَنبَيها وقَوْلُهمُ
إنَّكَ يا بنَ أبي سُلْمى لَمَقْتولُ
وقالَ كُلُّ خَليلٍ كنْتُ آمُلُهُ
لا أُلفِيَنَّكَ إِنِّي عنك مَشْغولُ
فقلْتُ خَلُّوا طَريقي لا أبا لكمُ
فكُلُّ ما قَدَّرَ الرَّحْمنُ مَفْعولُ
كلُّ ابنِ أُنْثى وإن طالَتْ سَلامتُهُ
يَوْمًا على آلةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ
أُنْبِئتُ أنَّ رَسولَ اللهِ أوْعَدَني
والعَفْوُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ مَأمولُ
مَهْلًا هَداك الَّذي أعْطاك نافِلةَ ال
قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وتَفْصيلُ
لا تَأخُذَنِّي بأقْوالِ الوُشاةِ ولم
أُذْنِبْ ولو كَثُرَتْ عنِّي الأقاويلُ
لقدْ أقومُ مَقامًا لو يَقومُ بهِ
أرى وأسمَعُ ما لو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلَّا أن يَكونَ لهُ
مِنَ الرَّسولِ بِإذنِ اللهِ تَنْويلُ
ما زِلتُ أقْتَطِعُ البَيْداءَ مُدَّرِعًا
جُنْحَ الظَّلامِ وثَوْبُ اللَّيلِ مَسْبولُ
حتَّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ
في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
إنَّ الرَّسولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضاءُ بهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسْلولُ
في عُصْبةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهم
بِبَطْنِ مَكَّةَ لمَّا أسْلَموا زولوا
زالوا فما زالَ أنْكاسٌ ولا كُشُفٌ
عنْدَ اللِّقاءِ ولا ميلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانينِ أبْطالٌ لَبوسُهمُ
مِن نَسْجِ داودَ في الهَيْجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قد شُكَّتْ لها حَلَقٌ
كأنَّها حَلَقُ القَفْعاءِ مَجْدولُ
يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعصِمُهم
ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابيلُ
لا يَفرَحونَ إذا نالَتْ رِماحُهمُ
قَوْمًا وليسوا مَجازِيعًا إذا نِيلوا
لا يَقَعُ الطَّعنُ إلَّا في نُحورِهمِ
ما إنْ لهم عن حِياضِ المَوْتِ تَهْليلُ [370] ((ديوان كعب بن زهير)) (ص: 60).
فكَلَّمتُه الأنْصارُ أنْ ليس لهم نَصيبٌ في مَدْحِه، إنَّما مَدَحَ المُهاجِرينَ، وقيلَ: لامَه المُهاجِرونَ إذ عرَّضَ بالأنْصارِ في قولِه: "إذا عرَّدَ السُّودُ التَّنابيلُ"، فأنْشَدَ [371] ((ديوان كعب بن زهير)) (ص: 19). :
مَن سرَّه كَرَمُ الحَياةِ فلا يَزَلْ
في مَقنَبٍ مِن صالحي الأنْصارِ
تَزِنُ الجِبالَ رَزانةً أحْلامُهم
وأكَفُّهم خَلَفٌ مِن الأمْطارِ
المُكرِهينَ السَّمْهريَّ بأذْرُعٍ
كصَواقِلِ الهِنْديِّ غيْرِ قِصارِ
والنَّاظِرينَ بأعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ
كالجَمْرِ غَيْرِ كَليلةِ الأبْصارِ
والذَّائِدينَ النَّاسَ عن أدْيانِهم
بالمَشْرَفيِّ وبالقَنا الخطَّارِ
والباذِلينَ نُفوسَهم لنَبيِّهم
يَوْمَ الهِياجِ وقُبَّةِ الجبَّارِ
دَرِبوا كما دَرِبَتْ أُسودُ خَفيَّةٍ
غُلْبُ الرِّقابِ مِن الأُسودِ ضواري
وكانَ خَلَفٌ الأحْمَرُ يقولُ: (لولا قَصائِدُ لزُهَيْرٍ ما فضَّلْتُه على ابنِه كَعْبٍ) [372] يُنظر: ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) لابن عبد البر (3/ 1313)، ((الإصابة في تمييز الصحابة)) لابن حجر (5/ 443). .

انظر أيضا: