موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الخامِسُ: الحِكْمةُ


وهي القَوْلُ الصَّائِبُ الَّذي يَصدُرُ عن مُجرِّبٍ خَبَرَ الحَياةَ وعَرَكَها، وعاشَ تَجارِبَ كَثيرةً أرادَ أن يَنقُلَها إلى غيْرِه، وقد عَرَفَ الشِّعْرُ العَربيُّ منْذُ قَديمٍ ذلك النَّوْعَ مِن الشِّعْرِ الَّذي يَهدُفُ إلى إصْقالِ النَّفْسِ بخِبراتِ الحَياةِ، وبَيانِ الغَرَضِ مِن الحَياةِ الَّتي نَحْياها، وكيف السَّبيلُ إلى التَّصالُحِ معَ النَّفْسِ والمُجْتمَعِ، وطَريقُ السَّعادةِ في الدُّنيا، كما يَتَجلَّى ذلك في أبْياتِ زُهَيْرٍ وأمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ وغيْرِهما.
وقد كانَ هذا الغَرَضُ خامِلًا في الجاهِليَّةِ؛ إذ الشَّرَفُ عنْدَهم ومَوضِعُ المَدْحِ في الشَّجاعةِ والتَّهوُّرِ، والإسْرافِ في الخَمْرِ، والتَّشْبيبِ بالنِّساءِ، وغيْرِ ذلك. فلمَّا جاءَ الإسْلامُ قَوِيَ هذا الغَرَضُ؛ إذ يَتَلاءَمُ كَثيرًا معَ طَبيعةِ الإسْلامِ الَّذي يَأمُرُ بالمَعْروفِ ويَنْهى عنِ المُنكَرِ.
ومِن شِعْرِ الحِكْمةِ قَولُ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ:
‌أخِلَّاءُ ‌الرَّخاءِ ‌هُمُ كَثيرٌ
ولكنْ في البَلاءِ هُمُ قَليلُ
فلا يَغْرُرْك كَثرةُ مَن تُؤاخي
فما لكَ عنْدَ نائِبةٍ خَليلُ
وكُلُّ أخٍ يقولُ أنا وَفِيٌّ
ولكنْ ليس يَفعلُ ما يقولُ
سِوى خِلٍّ له حسَبٌ ودينٌ
فذاك لِما يقولُ هو الفَعولُ [356] ((ديوان حسان بن ثابت)) (ص:199).
وقولُ النَّابِغةَ الجَعْديِّ [357] ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 280). :
ولا خَيْرَ في حِلمٍ إذا لم تَكُنْ له
بَوادِرُ تَحْمي صَفوَه أنْ يُكدَّرا
ولا خَيْرَ في جَهْلٍ إذا لم يَكُنْ له
حَليمٌ إذا ما أوْرَدَ الأمْرَ أصْدَرا

انظر أيضا: