موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الثَّالِثَ عشَرَ: خَصائِصُ الشِّعْرِ الجاهِليِّ


على الرَّغْمِ مِنِ اخْتِلافِ أساليبِ الشُّعَراءِ ومَناحيهم في التَّعْبيرِ ونَظْمِ الشِّعْرِ، وطُرُقِ اسْتِخدامِ الصُّوَرِ والتَّشْبيهاتِ، فإنَّ أشْعارَهم جَميعًا تَمثَّلَتْ فيها بعضُ الخَصائِصِ الَّتي تَربِطُها معًا، مِثلُ:
1- القَصيدةُ الجاهِليَّةُ مُتَماسِكةُ البِناءِ مُتَكامِلةِ الأجْزاءِ، ألفاظُها على قَدْرِ مَعانيها، ومَعانيها مُلائِمةٌ لألفاظِها وأغْراضِها.
2- المَعاني في الشِّعْرِ الجاهِليِّ واضِحةٌ ظاهِرةٌ، ليس فيها بُعْدٌ ولا إغْراقٌ في الخَيالِ، وخَالِيةٌ مِن الغُلُوِّ والمُبالَغةِ الَّتي قد تَخرُجُ به عن الحُدودِ المَعْقولةِ.
3- مال الشُّعَراءُ في شِعْرِهم إلى الإيجازِ، وابْتَعدوا عن الإطْنابِ وما يَتَّصِلُ به، ولعَلَّ ذلك هو الَّذي جَعَلَ البَيْتَ في قَصائِدِهم وَحْدةً مَعْنويَّةً قائِمةً بنفْسِها.
4- تَتَألَّفُ القَصيدةُ مِن طائِفةٍ مِن الأبْياتِ المُسْتقلَّةِ الَّتي لا تَحْتاجُ في بَيانِ مَعْناها الجُزْئيِّ إلى ما قبْلَها ولا ما بعْدَها، وإن كانَ المَعنى العامُّ للقَصيدةِ لا يَتَأتَّى ببعضِ تلك الأبْياتِ دونَ بعضٍ.
5- تَمْثيلُ الطَّبيعةِ الَّتي كانَ الرَّجُلُ العَربيُّ يَحياها دونَ تَكَلُّفٍ في اللَّفْظِ ولا تَصَنُّعٍ في المَعنى، بلْ إنَّ شِعْرَهم يَشِفُّ عن طَبيعةِ حَياتِهم بما فيها مِن مُقوِّماتٍ ومَظاهِرَ.
6- كانَ الشِّعْرُ الجاهِليُّ وسَطًا بيْنَ الغُلُوِّ والجَفاءِ؛ فإذا أرادَ الشَّاعِرُ الجاهِليُّ أن يَتَغزَّلَ فإنَّ غزَلَه لا يكونُ مَكْشوفًا خادِشًا للحَياءِ كاشِفًا للعَوْراتِ، وإذا أرادَ أن يَهْجوَ فإنَّه لا يَتَفحَّشُ في القولِ، فيَأتي الهِجاءُ بَعيدًا عن البَذاءِ والفُحْشِ، كما أنَّه لا يَهْجو رَجُلًا إلَّا بما فيه مِن العُيوبِ.
7- جاءَ الشِّعْرُ الجاهِليُّ عاليَ البَلاغةِ مُتَّسقَ النَّسْجِ والتَّرْكيبِ، بَعيدًا عنِ الحَشْوِ.
8- بدايةُ القَصيدةِ بمُقدِّماتٍ تُهيِّئُ المَقامَ للشُّروعِ في المَقْصودِ، سَواءٌ كانَتْ مُقدِّمةً طَلَليَّةً أم غَزَليَّةً أم نَحْوَ ذلك، على أنَّ بعضَها لم يكنْ يَليقُ به تلك المُقدِّماتُ، فكانوا يَشرَعون في المَقْصودِ مُباشَرةً، وذلك في مِثلِ قَصائِدِ الرِّثاءِ.
9- التَّرفُّعُ في الشِّعْرِ عمَّا يُسقِطُ المُروءةَ ويَخدِشُ الحَياءَ؛ ولِهذا لم يَشِعِ الوَصْفُ والغَزَلُ الصَّريحُ إلَّا عنْدَ أمْثالِ امْرِئِ القَيْسِ والأعْشى فحَسْبُ، وكانَ الغالِبُ على سائِرِ الشُّعَراءِ التَّغزُّلَ العَفيفَ، أو وَصْفَ ما يَظهَرُ عادةً؛ كالوَجْهِ والشَّعْرِ والقَوامِ [261] ينظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (1/219)، ((تاريخ آداب اللغة العربية)) لجرجي زيدان (ص:95). .

انظر أيضا: