موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ العاشِرُ: عَبيدُ بنُ الأبْرَصِ


هو عَبيدُ بنُ الأبْرَصِ بنِ عَوْفِ بنِ جُشَمَ بنِ عامِرِ بنِ مالِكِ بنِ زُهَيْرِ بنِ مالِكِ بنِ الحارِثِ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلبةَ بنِ دُودانَ بنِ أسَدٍ.
مِن الطَّبَقةِ الرَّابِعةِ الَّذين مَوضِعُهم معَ الأوائِلِ غيْرَ أنَّ قِلَّةَ شِعْرِهم بيَدِ الرُّواةِ أخَلَّتْ بذلك [258] يُنظر: ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلام (1/ 137). .
قيلَ: إنَّه كانَ فَقيرًا مُحْتاجًا، فخَرَجَ يَوْمًا معَ غُنَيماتٍ له ومعَ أُخْتِه ماوِيةَ، إلى الماءِ ليَرْوِيا غَنَمَهما، فمَنَعَهما رَجُلٌ مِن بَني مالِكِ بنِ ثَعْلَبةَ، فرجَعَ حَزينًا مَهْمومًا، حتَّى آوى إلى شَجَرةٍ فنامَ تحتَها هو وأخْتُه، فنَظَرَ الرَّجُلُ إليهما واتَّهَمَه بأنَّه وقَعَ على أخْتِه، فدَعا عليه عَبيدٌ، وذاتَ يَوْمٍ بيْنَما هو نائِمٌ إذ أتاه آتٍ فجعَلَ في فَمِه شيئًا مِن الشِّعْرِ، وقالَ: قُمْ، فقامَ وهو يَرْتَجِزُ في هِجاءِ بَني مالِكٍ، وقد كانوا يُدْعَونَ ببَني الزَّنْيةِ، فقالَ:
أيا بَني الزَّنْيةِ ما غَرَّكم
فلكم الوَيْلُ بسِرْبالِ حَجَرْ
ولم يكنْ قالَ شِعْرًا قبْلَ ذلك، فظَلَّ يُنشِدُ الشِّعْرَ حتَّى صارَ شاعِرَ بَني أسَدٍ.
ولمَّا ثارَتْ بَنو أسَدٍ على حُجْرٍ -والِدِ امْرِئِ القَيْسِ- وأسَرَ بعضَهم، اسْتَشفَعَ عَبيدٌ عنْدَ حُجْرٍ فشَفَع له فيهم، ثُمَّ عادوا فقَتَلوا حُجْرًا، ثُمَّ إنَّهم ذَهَبوا إلى امْرِئِ القَيْسِ، فعرَضوا عليه أن يَتَولَّى المُلْكَ بعْدَ أبيه، على أن يُعْطوه الدِّيَةَ عن أبيه ألْفَ بَعيرٍ، أو يُعْطوه مَن شاءَ مِن بَني أسَدٍ فيَقْتُلَه بأبيه، فأبى امْرُؤُ القَيْسِ ذلك وتَوَعَّدَهم بأنَّه سيَأتيهم بما لا قِبَلَ لهم به، فأجابَه عَبيدُ بنُ الأبْرَصِ بقَولِه:
نحن الأُلَى فاجْمَعْ جُمو
عَك ثُمَّ وجِّهْهُم إلينا
واعْلَمْ بأنَّ جِيادَنا
آلَيْنَ لا يَقْضينَ دَيْنا
ولقد أبَحْنا ما حَمَيْ
تَ ولا مُبيحَ لِما حَمَيْنا
ثُمَّ إنَّ امْرَأَ القَيْسِ لم يَسْتَطعْ أن يَنالَ مِن بَني أسَدٍ، وشمَخَ عَبيدٌ بما قالَه وارْتَفَعَ شأنُه عنْدَ العَربِ.
وقد قتَلَ عَبيدًا النُّعْمانُ بنُ المُنذِرِ في يَوْمِ بُؤْسِه؛ فإنَّه قد كانَ قسَمَ الدَّهْرَ يَوْمَينِ؛ يَوْمَ نِعْمةٍ ويَوْمَ بُؤْسٍ، فإذا كانَ يَوْمُ البُؤْسِ لم يَلْقَ أحَدًا إلَّا قَتَلَه، فقابَلَ عَبيدًا فقالَ له: هلَّا كانَ هذا لغيْرِك يا عَبيدُ! أنْشِدْني شيئًا مِن شِعْرِك فرُبَّما أعْجَبَني، فقالَ له: حالَ الجَريضُ -أي المَوْتُ- دونَ القَريضِ، قالَ: فأنْشِدْني: "أقْفَرَ مِن أهْلِه مَلْحوبُ"، فأنْشَدَه:
أقْفَرَ مِن أهْلِه عَبيدُ
فليسَ يُبدي ولا يُعيدُ
قالَ: اخْتَرْ لنفْسِك قِتْلةً، فاخْتارَ أن يَسقيَه مِن الخَمْرِ حتَّى يَسكَرَ ثُمَّ يَقتَلَه، ففَعَلَ به ذلك وهو ابنُ ثَلاثِمِئةِ سَنَةٍ [259] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 259)، ((الأغاني)) لأبي الفرج الأصفهاني (22/ 325). .
وقَصيدتُه الَّتي اعْتَبرَها الخَطيبُ التَّبْريزيُّ مِن المُعلَّقاتِ هي المَشْهورةُ له، ولا يُدْرى سَبَبُ نَظْمِها، ولعَلَّه قالَها في إحْدى الغَزَواتِ أو بعْدَما طالَتْ به الحَياةُ. وهي خَمْسونَ بَيْتًا، ابْتَدَأها بالحَديثِ عن إقْفارِ الدِّيارِ، ثُمَّ ذَكَرَ كِبَرَ سِنِّه ومَضى يَنقُدُ أحْوالَ النَّاسِ ويَتَذكَّرُ شَبابَه الرَّاحِلَ، ثُمَّ انْتَهى إلى الوَصْفِ، فوَصَفَ ناقتَه وفَرَسَه، ثُمَّ اخْتَتَمَ بتَصْويرِ اقْتِناصِ العُقابِ للثَّعْلَبِ.
ومَطلَعُ المُعلَّقةِ [260] ((ديوان عبيد بن الأبرص)) (ص: 10). :
أَقْفَرَ مِن أهْلِهِ مَلْحوبُ
فَالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنوبُ
فَراكِسٌ فثُعَيلِباتٌ
فَذاتُ فِرقَينِ فالقَليبُ
فعَرْدةٌ فقَفا حِبِرٍّ
ليس بها مِنهمُ عَريبُ
وبُدِّلَتْ أهْلُها وُحوشًا
وغَيَّرَتْ حالَها الخُطوبُ
أرْضٌ تَوارَثُها شُعوبٌ
وكلُّ مَن حَلَّها مَحْروبُ
إِمَّا قَتيلًا وإمَّا هالِكًا
والشَّيْبُ شَيْنٌ لِمَن يَشيبُ
ومِنها:
إِن تَكُ حالَتْ وَحُوِّلَ أَهْلُها
فلا بَديءٌ ولا عَجيبُ
أَو يَكُ أَقْفَرَ مِنها جَوُّها
وعادَها المَحْلُ وَالجُدوبُ
فكلُّ ذي نِعْمةٍ مَخْلوسٌ
وكلُّ ذي أمَلٍ مَكْذوبُ
وكلُّ ذي إبِلٍ مَوْروثٌ
وكلُّ ذي سَلَبٍ مَسْلوبُ
وكلُّ ذي غَيْبةٍ يَؤوبُ
وغائِبُ المَوْتِ لا يَؤوبُ
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رَحِمٍ
أَمْ غَنِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ

انظر أيضا: