موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ التَّاسِعُ: الحارِثُ بنُ حِلِّزةَ


هو الحارِثُ بنُ حِلِّزةَ بنِ مَكْروهِ بنِ بُدَيدِ بنِ عبْدِ اللهِ بنِ مالِكِ بنِ عبْدِ سَعْدِ بنِ جُشَمَ بنِ ذُبْيانَ بنِ كِنانةَ بنِ يَشكُرَ بنِ بَكْرِ بنِ وائِلٍ.
من الطَّبَقةِ السَّادِسةِ عنْدَ ابنِ سَلَّامٍ الجُمَحيِّ [255] يُنظر: ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلَّام (1/151). .
لم تَقِفْنا المَصادِرُ على شيءٍ مِن حَياتِه غيْرِ تلك المُباراةِ الَّتي كانَتْ بيْنَه وبيْنَ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ لدى عَمْرِو بنِ هِنْدٍ؛ فإنَّه لمَّا جَرَتِ الحَرْبُ بيْنَ بَكْرٍ وتَغْلِبَ، وانْتَهتِ الحَرْبُ بالصُّلْحِ الَّذي عقَدَه بيْنَهما عَمْرُو بنُ هِنْدٍ مَلِكُ الحِيرةِ، أخَذَ ابنُ هِنْدٍ رَهْطًا مِن كلِّ قَبيلةٍ ضَمانًا للصُّلْحِ، وأرْسَلَهم إلى جِبالِ طَيِّئٍ، فمَنَعَ البَكْريُّونَ التَّغْلِبيِّينَ عن الماءِ حتَّى ماتوا، فأرسَلَتْ تَغْلِبُ إلى عَمْرِو بنِ هِنْدٍ عَمْرَو بنَ كُلْثومٍ لطَلَبِ الدِّيَةِ مِن البَكْريِّينَ، وأرسَلَتْ بَنو بَكْرٍ النُّعْمانَ بنَ هَرِمٍ شاعِرَ بَني بَكْرٍ، فغَضِبَ عَمْرُو بنُ هِنْدٍ على النُّعْمانِ وطَرَدَه، فأرسَلَتْ بَكْرٌ الحارِثَ بنَ حِلِّزةَ مَكانَه، فقامَ بيْنَ يَدَيِ المَلِكِ وأنْشَدَه مُعلَّقتَه تلك فأعْجَبَتْه جدًّا، وأمَرَ بالرَّهْطِ البَكْريِّينَ فجَزَّ نَواصيَهم ودفَعَهم إلى الحارِثِ.
يُرْوى أنَّ الحارِثَ أنْشَدَ تلك القَصيدةَ بتَمامِها ارْتِجالًا مِن غيْرِ سابِقِ إعْدادٍ، وقيلَ: بل كانَ أعَدَّها قبْلَ ذلك وأنْشَدَها غيْرُ واحِدٍ مِن قَوْمِه ليَأخُذوها ويَدْخلوا بها على المَلِكِ؛ فإنَّ الحارِثَ كانَ أبْرَصَ، وكانَ المَلِكُ يَأنَفُ مِن البُرْصانِ، ويَجعَلُ بيْنَهم وبيْنَه سَبْعةَ سُتورٍ، ويَأمُرُ بغَسْلِ آثارِهم بعْدَ خُروجِهم، فلمَّا غضِبَ عَمْرُو بنُ هِنْدٍ على النُّعْمانِ وطَرَدَه خافَ الحارِثُ على قَوْمِه، وذَهَبَ بنفْسِه ليُنشِدَ القَصيدةَ أمامَ المَلِكِ، وبيْنَه وبيْنَ المَلِكِ سَبْعةُ سُتورٍ، فلمَّا انْتَهى مِنها أمَرَ عَمْرُو بنُ هِنْدٍ بإزالةِ السُّتورِ وقَرَّبَه مِنه وآكَلَه مِن جَفْنتِه، وأمَرَ بألَّا يُغسَلَ أثَرُه.
وقد ساعَدَه على ذلك أنَّ خَصْمَه عَمْرَو بنَ كُلْثومٍ قامَ بيْنَ يَدَيِ المَلِكِ يُفاخِرُ بنفْسِه مُتَعجرِفًا، لا يَأبَهُ بكِبْرِ المَلِكِ ومَجلِسِه [256] يُنظر: ((شرح المعلقات التسع)) لأبي عمرو الشيباني (ص: 352)، ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 193). .
والمُعلَّقةُ قَصيدةٌ سِياسيَّةٌ مِن الطِّرازِ الأوَّلِ؛ فإنَّها جاءَتْ في واحِدٍ وثَمانينَ أو أرْبَعةٍ وثَمانينَ بَيْتًا، بدَأَها على عادةِ الشُّعَراءِ بالمُقدِّمةِ الغَزَليَّةِ، فذَكَرَ فِراقَ الحَبيبةِ وشَكا فِراقَها، ثُمَّ وَصَفَ ناقتَه في طَريقِه، ثُمَّ شرَعَ في مَقْصودِه، وهو الفَخْرُ ببَني بَكْرٍ والتَّنْديدُ بالتَّغْلِبيِّينَ، ويَدفَعُ عن قَوْمِه مَكايِدَهم، ويُعدِّدُ مَفاخِرَ بَكْرٍ وأيَّامَها، دونَ أن يَنْتقِلَ مِن مَوْضوعٍ إلى آخَرَ، ولا يُشتِّتَ عَقْلَ السَّامِعِ مِن فِكرةٍ لأخرى.
ومَطلَعُ مُعلَّقتِه [257] ((ديوان الحارث بن حلزة)) (ص: 19). :
آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسْماءُ
رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ
آذَنَتْنا بِبَيْنِها ثُمَّ وَلَّتْ
لَيتَ شِعْري متى يكونُ اللِّقاءُ
بعْدَ عَهْدٍ لنا بِبُرْقَةِ شَمَّا
ءَ فأدْنى دِيارِها الخَلْصاءُ
فالمُحَّياةُ فالصِّفاحُ فأعْلى
ذي فِتاقٍ فعاذِبٌ فالوَفاءُ
فرِياضُ القَطا فأوْديةُ الشُّرْ
بُبِ فالشُّعَبَتانِ فالأبْلاءُ
لا أرى مَن عَهِدْتُ فيها فأبْكي ال
يَوْمَ دَلْهًا وما يَحيرُ البُكاءُ
وبعَيْنَيكَ أوْقَدَتْ هِنْدٌ النَّا
رَ أخيرًا تُلْوي بِها العَلْياءُ
فتَنَوَّرْتُ نارَهَا مِن بَعيدٍ
بخَزازى هَيْهاتَ مِنكَ الصِّلاءُ
أوْقَدَتْها بيْنَ العَقيقِ فشَخْصَي
نِ بعُودٍ كما يَلوحُ الضِّياءُ
غيْرَ أنِّي قد أسْتَعينُ على الهَمِّ
إذا خَفَّ بالثَّوِيِّ النَّجاءُ
بِزَفوفٍ كأنَّها هِقْلَةٌ
أُمُّ رِئالٍ دَوِّيَّةُ سَقْفاءُ
ومِنها:
وأتانا مِنَ الحَوادِثِ والأنْبا
ءِ خَطْبٌ نُعْنى بهِ ونُساءُ
إِنَّ إخْوانَنا الأراقِمَ يَغْلو
نَ علينا في قيلِهم إحْفاءُ
يَخلِطونَ البَريءَ مِنَّا بذي الذَّنْ
بِ ولا يَنفَعُ الخَلِيَّ الخَلاءُ
زَعَموا أنَّ كلَّ مَن ضَرَبَ العَي
رَ مُوالٍ لنا وأنَّا الوَلاءُ
أجْمَعوا أمْرَهم عِشاءً فلمَّا
أصْبَحوا أصْبَحَتْ لهُمْ ضَوْضاءُ
مِن مُنادٍ ومِن مُجيبٍ ومِن تَصْ
هالِ خَيْلٍ خِلالَ ذاك رُغاءُ
أيُّها النَّاطِقُ المُرقِّشُ عنَّا
عنْدَ عَمْرٍو وهلْ لِذاك بَقاءُ
لا تَخَلْنا على غِراتِكَ إنَّا
قبْلُ ما قدْ وَشى بنا الأعْداءُ
ومِنها:
فمَلَكْنا بِذلك النَّاسَ حتَّى
مَلَكَ المُنذِرُ بنُ ماءِ السَّماءِ
وهو الرَّبُّ والشَّهيدُ على يَوْ
مِ الحَيارَينِ والبَلاءُ بَلاءُ
مَلِكٌ أضْرعُ البَريَّةِ لا يُو
جَدُ فيها لما لديهِ كِفاءُ
ما أصابُوا مِن تَغْلِبيِّ فمَطْلو
لٌ عليهِ إذا أُصِيبَ العَفاءُ
كتَكاليفِ قَوْمِنا إذ غَزا المُنْ
ذِرُ هلْ نحن لابنِ هِنْدٍ رِعاءُ

انظر أيضا: