موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ السَّابِعُ: عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ


هو عَمْرُو بنُ كُلْثومِ بنِ مالِكِ بنِ عَتَّابِ بنِ سَعْدِ بنِ زُهَيْرِ بنِ جُشَمَ بنِ بَكْرِ بنِ حَبيبِ بن عَمْرِو بنِ غَنْمِ بنِ تَغْلِبَ.
أوَّلُ الطَّبَقةِ السَّادِسةِ عنْدَ ابنِ سَلَّامٍ الجُمَحيِّ في طَبَقاتِه، وقد جَعَلَ تلك الطَّبَقةَ لِمَن لهم قَصيدةٌ واحِدةٌ، ومعَه الحارِثُ بنُ حِلِّزةَ، وعَنْتَرةُ بنُ شَدَّادٍ، وسُوَيدُ بنُ أبي كاهِلٍ [247] يُنظر: ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلام (1/ 151). .
وعَمْرُو بنُ كُلْثومٍ كانَ شاعِرَ بَني تَغْلِبَ، الَّذين قال فيهم المُؤَرِّخونَ: لولا الإسلامُ لأكَلَتْ تَغْلِبُ النَّاسَ، فقدْ كانَتْ قوَّةً عَظيمةً لا يُسْتَهانُ بها، اسْتَطاعوا كَسْرَ الغَساسِنةِ والمَناذِرةِ في آنٍ واحِدٍ، وقد حَمَلَتْهم بَطْشَتُهم أن أغاروا على بَني تَميمٍ في البَحْرينِ، ثُمَّ انْصَرفوا مِنها إلى بَني قَيْسِ بنِ ثَعْلَبةَ، فأغْراهم ذلك إلى أن يَتَوجَّهوا إلى اليَمامةِ، غيْرَ أنَّهم هُزِموا هنالك وأُسِرَ عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ على يَدِ يَزيدَ بنِ عَمْرِو بِن شَمِرٍ، وقالَ له: أنتَ الَّذي تقولُ:
متى نَعقِدْ قَريْنتَنا بحَبْلٍ
نَجُذَّ الحَبْلَ أو نَقِصِ القَرينا
أمَّا إنِّي سأقْرُنُك إلى ناقتي هذه وأَطْرُدُكما جَميعًا! فعَزَّ ذلك على عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ فنادى في أهْلِ اليَمامةِ: يا لَرَبيعةَ أَمُثْلَةٌ؟! فاجْتَمعَ قَوْمُ يَزيدَ ونَهَوه عن ذلك.
وقد كانَ المَلِكُ المُنذِرُ -أبو عَمْرِو بنِ هِنْدٍ- أصْلَحَ بيْنَ بَني بَكْرٍ وتَغْلِبَ، وأخَذَ مِن كلِّ قَبيلةٍ رَهائِنَ، متى أخْطَأتْ في حَقِّ الأخرى أسْلَمَ رَهائِنَها إلى الَّتي بُغِيَ عليها فقَتَلَتْهم، فلمَّا تَولَّى عَمْرُو بنُ هِنْدٍ سارَ على نَهْجِ أبيه، فأرْسَلَ رَهْطًا مِن بَني بَكْرٍ وتَغْلِبَ إلى جَبَلِ طَيِّئٍ، فطَرَدَ البَكْريُّونَ التَّغْلِبيِّينَ عن الماءِ حتَّى ماتوا، فأرْسَلَ التَّغْلِبيُّونَ عَمْرَو بنَ كُلْثومٍ إلى المَلِكِ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ ليُخاصِمَ البَكْريِّينَ ويُطالِبَهم بالدِّيَاتِ، وأرْسَلَتْ بَكْرٌ النُّعْمانَ بنَ هَرِمٍ، فغَضِبَ المَلِكُ على البَكْريِّينَ وطَرَدَ النُّعْمانَ، فأنْشَدَ عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ نِصْفَ قَصيدتِه.
أمَّا النِّصْفُ الآخَرُ فإنَّ المَلِكَ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ ذاتَ يَوْمٍ قالَ لجُلَسائِه: هلْ تَعْلَمونَ أنَّ أحَدًا تَأنَفُ أمُّه أن تَخدُمَ أمِّي؟ قالوا: عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ؛ فإنَّ أمَّه بِنْتُ مَهَلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، وعمُّها كُلَيْبُ وائِلٍ أعَزُّ العَربِ، وبَعْلُها كُلْثومُ بنُ مالِكٍ بنِ عَتَّابٍ أفْرَسُ العَربِ، وابْنُها عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ سيِّدُ مَن هو مِنهم، فأرْسَلَ ابنُ هِنْدٍ إلى ابنِ كُلْثومٍ يَطلُبُ زِيارتَه، وأن يَجعَلَ أمَّه تَزورُ أمَّه، فخَرَجَ عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ معَ أمِّه إلى ابنِ هِنْدٍ الَّذي نَصَبَ رُواقًا بيْنَ الحِيرةِ والفُراتِ، وأوْعَزَ إلى أمِّه أن تَجعَلَ أمَّ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ تَخدُمُها، وأرْسَلَ الخَدَمَ بَعيدًا، فدَخَلَ عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ على المَلِكِ وجَلَسَ معَه، ودَخَلَتْ أمُّه إلى هِنْدٍ، فطَلَبَتْ مِنها هِنْدٌ أن تَجلِبَ لها طَبَقًا، فقالَتْ: لتَقُمْ صاحِبةُ الحاجةِ إلى حاجتِها، فألَحَّتْ عليها، فأبَتْ لَيلى أمُّ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ، وقالَتْ وا ذُلَّاه، فسمِعَها ابنُها، فثارَ الغَضَبُ في دَمِه، فنَظَرَ إلى عَمْرِو بنِ هِنْدٍ فإذا الشَّرُّ في وَجْهِه، فنَهَضَ إلى سَيْفٍ كانَ مُعلَّقًا بالرُّواقِ، فضَرَبَ به رَأسَ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ فقَتَلَه، ونادى في التَّغْلِبيِّينَ فانْتَهَبوا ما في الرُّواقِ، وفي ذلك أنْشَدَ عَمْرُو بنُ كُلْثومٍ:
بأيِّ مَشيْئةٍ عَمْرُو بنَ هِنْدٍ
تُطيعُ بنا الوُشاةَ وتَزْدَرينا
تُهدِّدُنا وتُوعِدُنا رُوَيدًا
متى كنَّا لأمِّك مَقْتَوينا
ثُمَّ اسْتَكمَلَ سائِرَ مُعلَّقتِه الَّتي قامَ بها خَطيبًا في النَّاسِ في سوقِ عُكاظٍ، وقدْ تَناقَلَها التَّغْلِبيُّونَ وحَفِظوها ورَدَّدوها في مَجالِسِهم، حتَّى قالَ فيهم أحَدُ بَني بَكْرٍ:
ألْهى بَني تَغْلِبٍ عن كُلِّ مَكْرُمةٍ
قَصيدةٌ قالَها عَمْرُو بنُ كُلْثومِ
يُفاخِرونَ بها مُذْ كانَ أوَّلُهم
يا لَلرِّجالِ لِفَخْرٍ غَيْرِ مَسْؤومِ
وقيلَ: إنَّ تلك القَصيدةَ كانَتْ أَكْثَرَ مِن ألْفِ بَيْتٍ، بلَغَنا مِنها ما حَفِظَه الرُّواةُ وتَناقَلوه فحسْبُ [248] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 228)، ((الأدب الجاهلي قضاياه أغراضه أعلامه فنونه)) لطليمات والأشقر (ص: 394). .
ومُعلَّقةُ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ قد بلَغَنا مِنها مِئةُ بَيْتٍ وثَلاثةُ أبْياتٍ، على بَحْرِ الوافِرِ، ورَوِيُّها النُّونُ، ابْتَدأَ فيها الشَّاعِرُ بمُقدِّمةٍ خَمْريَّةٍ، يَسْتَسقي الشَّاعِرُ صاحِبتَه الخَمْرَ، ثُمَّ يَتَحدَّثُ عن أثَرِ الخَمْرِ في شارِبِها، ثُمَّ يَتَغزَّلُ بمَحْبوبتِه ويَذكُرُ مَحاسِنَها الجَسَديَّةَ، ثُمَّ سائِرُ القَصيدةِ يَدورُ حَوْلَ الفَخْرِ بمَنَعةِ الشَّاعِرِ وقَوْمِه التَّغْلِبيِّينَ، والتَّغنِّي بقَتْلِ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ.
ومَطلَعُ المُعلَّقةِ [249] ((ديوان عمرو بن كلثوم)) (ص: 64). :
ألَا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحينا
ولا تُبْقي خُمورَ الأَنْدَرينا
مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فيها
إذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُّبانةِ عنْ هَواهُ
إذا ما ذاقَها حتَّى يَلينا
تَرى اللَّحِزَ الشَّحيحَ إذا أُمِرَّتْ
عليهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عنَّا أُمَّ عَمْرٍو
وكانَ الكَأْسُ مَجْراها اليَمينا
وما شَرُّ الثَّلاثةِ أُمَّ عَمْرٍو
بِصاحِبِكِ الَّذِي لا تَصْبَحينا
وكَأْسٍ قدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ
وأُخرى في دِمَشْقَ وقاصِرينا
إذا صَمَدَتْ حُمَيَّاها أريبًا
مِن الفِتْيانِ خِلْتَ بهِ جُنونا
فما بَرِحَتْ مَجالَ الشِّرْبِ حتَّى
تَغالَوْها وقالوا قدْ رَوينا
وإنَّا سوْفَ تُدرِكُنا المَنايا
مُقَدَّرةً لنا ومُقَدَّرينا
قِفي قبْلَ التَّفَرُّقِ يا ظَعِينا
نُخَبِّرْكِ اليَقينَ وتُخْبِرينا
قِفي نَسْأَلْكِ هلْ أحْدَثْتِ صَرْمًا
لِوَشْكِ البَيْنِ أمْ خُنْتِ الأَمينا
بيَوْمِ كَريهةٍ ضَرْبًا وطَعْنًا
أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا
وإنَّ غَدًا وإنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ
وبعْدَ غَدٍ بِما لا تَعْلَمينا
ومِنها:
أبا هِنْدٍ فلا تَعجَلْ علينا
وأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقينا
بِأنَّا نُورِدُ الرَّاياتِ بِيضًا
ونُصدِرُهنَّ حُمْرًا قدْ رَوينا
وأيَّامٍ لنا غُرٍّ طِوالٍ
عَصَيْنا المَلْكَ فيها أنْ نَدينا
وسَيِّدِ مَعشَرٍ قدْ تَوَّجوهُ
بِتاجِ المُلْكِ يَحْمي المُحْجَرينا
تَرَكْنا الخَيْلَ عاكِفةً عليهِ
مُقَلَّدةً أعِنَّتَها صُفونا
وأنْزَلْنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ
إلى الشَّاماتِ نَنْفي الموعِدينا
وقدْ هَرَّتْ كِلابُ الحَيِّ مِنَّا
وشَذَّبْنا قَتادةَ مَن يَلينا
متى نَنقُلْ إلى قَوْمٍ رَحانا
يَكونوا في اللِّقاءِ لَها طَحينا
يَكونُ ثِقالُها شَرْقيَّ نَجْدٍ
ولُهْوتُها قُضاعةَ أجْمَعينا
نزَلْتُم مَنزِلَ الأضْيافِ مِنَّا
فأعْجَلْنا القِرى أَنْ تَشتِمونا
قَرَيْناكم فعَجَّلْنا قِراكم
قُبَيلَ الصُّبْحِ مِرْداةً طَحونا
نَعُمُّ أُناسَنا ونَعِفُّ عنْهم
ونَحمِلُ عنْهمُ ما حَمَّلونا
ومِنها بعْدَ أن قَتَلَ عَمْرًا:
ألَا لا يَجهَلَنْ أحَدٌ علينا
فنَجهَلَ فوْقَ جَهْلِ الجاهِلينا
بِأيِّ مَشيئةٍ عَمْرُو بنَ هِنْدٍ
نَكونُ لِقَيْلِكم فيها قَطينا
بِأيِّ مَشيئةٍ عَمْرُو بْنَ هِنْدٍ
تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وتَزْدَرينا
تُهَدِّدُنا وتُوعِدُنا رُوَيدًا
متى كُنَّا لأُمِّكَ مُقْتَوينا
فإِنَّ قَناتَنا يا عَمْرُو أَعْيَتْ
على الأعْداءِ قبْلَكَ أن تَلينا
إذا عَضَّ الثَّقافُ بِها اشْمَأَزَّتْ
ووَلَّتْهُ عَشَوْزَنةً زَبونا
عَشَوْزَنةً إذا انْقَلَبَتْ أرَنَّتْ
تَشُجُّ قَفا المُثَقِّفِ والجَبينا
فهلْ حُدِّثْتَ في جُشَمَ بنِ بَكْرٍ
بِنَقْصٍ في خُطوبِ الأوَّلينا
وَرِثْنا مَجْدَ عَلْقَمةَ بنِ سَيْفٍ
أباحَ لَنا حُصونَ المَجْدِ دِينا

انظر أيضا: