موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ السَّادِسُ: طَرَفةُ بنُ العَبْدِ


هو طَرَفةُ بنُ العَبْدِ بنِ سُفْيانَ، يَنْتهي نَسَبُه إلى بَني بَكْرِ بنِ وائِلٍ، اخْتَلفوا في اسمِه؛ فقيلَ: طَرَفةُ، وكُنْيتُه أبو عَمْرٍو، وقيلَ: أبو إسْحاقَ، وقيلَ: أبو فَضْلةَ، وقيلَ: أبو سَعْدٍ، وقيلَ: طَرَفةُ كُنْيتُه، واسمُه عَمْرٌو، وقيلَ: عَبيدٌ [243] يُنظر: ((الأدب الجاهلي قضاياه أغراضه أعلامه فنونه)) (ص: 353). .
هو أوَّلُ الطَّبَقةِ الرَّابِعةِ عنْدَ ابنِ سَلَّامٍ الجُمَحيِّ، ذكَرَه معَ عَبيدِ بنِ الأبْرَصِ، وعَلْقَمةَ بنِ عَبدةَ، وعَديِّ بنِ زيدٍ، وقالَ: (مَوضِعُهم معَ الأوائِلِ، وإنَّما أخَلَّ بهم قِلَّةُ شِعْرِهم بأيْدي الرُّواةِ) [244] يُنظر: ((طبقات فحول الشعراء)) لابن سلام الجمحي (1/ 137). .
شَبَّ طَرَفةُ على حَياةِ اللَّهْوِ والمُجونِ، وظَلَّ نَديمًا للخُمورِ والقِيَانِ حتَّى أصابَه الفَقْرُ ونفِدَ مالُه، يقولُ:
وما زالَ تَشْرابي الخُمورَ ولَذَّتي
وبَيْعي وإنْفاقي طَريفي ومُتْلَدي
إلى أن تَحامَتْني العَشيرةُ كلُّها
وأُفرِدْتُ إفْرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ
وقد عاشَ طَرَفةُ في بيئةِ شُعَراءَ، فالمُتَلمِّسُ خالُه، والمُرقِّشُ الأصْغَرُ عَمُّه، والمُرقِّشُ الأكْبَرُ عَمُّ عَمِّه المُرقِّشِ الأصْغرِ؛ لِهذا فُطِرَ طَرَفةُ على قولِ الشِّعْرِ ونَظْمِه، فَضْلًا عن نَقْدِه وتَحْليلِه؛ فقدْ سمِعَ مرَّةً خالَه المُتَلمِّسَ يقولُ:
وقد أتَناسى الهَمَّ عنْدَ احْتِضارِه
بناجٍ عليه الصَّيْعريَّةُ مُكدَمِ
فقالَ طَرَفةُ: اسْتَنْوقَ الجَمَلُ، أي: جعَلَ الجَمَلَ ناقةً؛ لأنَّ النَّاجيَ هو الجَمَلُ، والصَّيْعريَّةُ: صِفةُ النَّاقةِ، فضَحِكَ القَوْمُ مِن خالِه!
ورَدَ طَرَفةُ معَ خالِه المُتَلمِّسِ على عَمْرِو بنِ هَنْدٍ مَلِكِ الحِيرةِ، فكانا يَمْدحانِه، ثُمَّ أمَرَهما أن يَليا أخاه ووليَّ عَهْدِه قابوسَ، وكانَ قابوسُ قد قسَمَ الدَّهْرَ يَوْمَ صَيْدٍ ويَوْمَ شَرابٍ؛ فإذا كانَ يَوْمُ الصَّيْدِ خَرَجا معَه فيَظلَّانِ يَجْريانِ حتَّى العَشِيِّ، ثُمَّ يُصْبِحانِ في يَوْمِ الشَّرابِ فيَقفانِ ببابِه حتَّى يَأذَنَ لهما، فوَقَفا مرَّةً إلى العَشِيِّ ولم يَأذَنْ لهما، فهَجاهُ طَرَفةُ هِجاءً مُقذَّعًا بلغَ عَمرًا فنَقِم عليه منه.
ثم إنَّه مَضَتْ مُدَّةٌ أرادَ بها عَمْرُو بنُ هِنْدٍ أن يَظُنَّ طَرَفةُ أنَّ المَلِكَ قد صَفَحَ عنه، ثُمَّ بعْدَها قالَ له ولخالِه المُتَلمِّسِ -وكانَ المُتَلمِّسُ قد هَجا عَمْرًا أيضًا- لعَلَّكما اشْتَقْتُما إلى أهْلِكما، فقالا: نَعمْ، فكَتَبَ لهما إلى عامِلِه على البَحْرينِ أن يَقتُلَهما، وخَتَمَ الكِتابَ، وكانا لا يَعْرفانِ القِراءةَ والكِتابةَ، فمَضيا وهما يُظنَّانِ أنَّه كَتَبَ لهما جائِزةً، فبيْنَما هما في الطَّريقِ إذ شَكَّ المُتَلمِّسُ في أمْرِ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ، فأعْطى كِتابَه لغُلامٍ مِن أهْلِ الحِيرةِ، فقَرَأَ فإذا في الكِتابِ أن يُقتَلَ المُتَلمِّسُ، فأدْبَرَ المُتَلمِّسُ هارِبًا وظَلَّ يُقنِعُ طَرَفةَ أنَّه دَبَّرَ له ما دَبَّرَ لخالِه، وأبى طَرَفةُ ذلك وقالَ: إن كانَ اجْتَرأَ عليك فما كان ليَجْترِئَ عليَّ، ومَضى إلى العامِلِ، فقُتِلَ وهو ابنُ بِضْعٍ وعِشْرينَ سَنَةً [245] يُنظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/ 182). .
ومُعلَّقةُ طَرَفةَ مِئةُ بَيْتٍ وثَلاثةُ أبْياتٍ، تَبدَأُ بمُقدِّمةٍ طَلَليَّةٍ، ثُمَّ وَصْفِ المَحْبوبةِ، ثُمَّ وَصْفِ النَّاقةِ والصَّحْراءِ، ثُمَّ يَمْضي إلى الفَخْرِ، ويَتَخلَّلُه وَصْفُ النُّدْمانِ والخَمْرِ والنِّساءِ، وتَعْريضُه بأقارِبِه الَّذين ظلَموه ومَنَعوه ميراثَه، ثُمَّ يَختِمُ بالتَّأمُّلِ في الحَياةِ والمَوْتِ.
ومَطلَعُ مُعلَّقتِه [246] ((ديوان طرفة بن العبد)) (ص: 19). :
لِخَولةَ أطْلالٌ بِبُرقةِ ثَهْمَدِ
تَلوحُ كباقي الوَشْمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفًا بها صَحْبي عليَّ مَطِيَّهُمْ
يَقولونَ: لا تَهْلِكْ أسًى وتَجَلَّدِ
كأنَّ حُدوجَ المالِكِيَّةِ غُدوةً
خَلايا سَفينٍ بالنَّواصِفِ مِن دَدِ
عَدَوْليَّةٌ أو مِن سَفينِ ابنِ يامِنٍ
يَجورُ بها المَلَّاحُ طَوْرًا ويَهْتَدي
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزومُها بها
كما قَسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
ومِنها:
إذا القومُ قالوا مَن فَتًى؟ خِلتُ أنَّني
عُنيتُ فلمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ
أحَلْتُ عليها بالقَطيعِ فأجذَمَتْ
وقد خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ المُتَوقِّدِ
فذالَتْ كما ذالَتْ وَليدةُ مَجْلِسٍ
تُري ربَّها أذْيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
ولَستُ بِحَلَّالِ التِّلاعِ مَخافةً
ولكِنْ متى يَسْترْفِدِ القَوْمُ أرْفِدِ
فإن تَبْغِني في حَلْقةِ القَوْمِ تَلْقَني
وإنْ تَقْتَنِصْني في الحَوانيتِ تَصْطَدِ
متى تأتِني أَصْبَحْكَ كأسًا رَوِيَّةً
وإنْ كنتَ عنها ذا غِنًى فاغْنَ وازْدَدِ
وإنْ يَلتَقِ الحَيُّ الجَميعُ تُلاقِني
إلى ذِروةِ البَيْتِ الرَّفيعِ المُصَمَّدِ
نَداماي بِيضٌ، كالنُّجُومِ، وقَيْنةٌ
تَروحُ علينا بيْنَ بُرْدٍ ومَجْسَدِ
رَحيبٌ قِطابُ الجَيبِ مِنها، رَقيقَةٌ
بِجَسِّ النَّدامى، بَضَّةُ المُتَجرَّدِ
إذا نحنُ قُلنا: أسْمِعينا انْبَرَتْ لنا
على رِسْلِها مَطْروقةً لم تَشَدَّدِ

انظر أيضا: