موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: أشْهَرُ شُعَراءِ العَصْرِ الجاهِليِّ وأبْرَزُ أشْعارِهم


كانَ للشُّعَراءِ في العَصْرِ الجاهِليِّ مَنزِلةٌ رَفيعةٌ لا يَبلُغُها أحَدٌ؛ قالَ ابنُ رَشيقٍ: (كانَتِ القَبيلةُ مِن العَربِ إذا نبَغَ فيها شاعِرٌ أتَتِ القَبائِلُ فهَنَّأتْها، وصنَعَتِ الأطْعمةَ، واجْتَمعَتِ النِّساءُ يَلعَبْنَ بالمَزاهِرِ، كما يَصنَعونَ في الأعْراسِ، ويَتَباشَرُ الرِّجالُ والوِلْدانُ؛ لأنَّه حِمايةٌ لأعْراضِهم، وذَبٌّ عن أحْسابِهم، وتَخْليدٌ لمَآثِرِهم، وإشادةٌ بذِكْرِهم) [212] ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/ 65). .
وقد قسَّمَ العُلَماءُ الشُّعَراءَ إلى مَراتِبَ وطَبَقاتٍ، كما فعَلَ ابنُ سَلَّامٍ في طَبَقاتِ فُحولِ الشُّعَراءِ، وهذا التَّرْتيبُ إنَّما هو بِناءً على جَودةِ صِياغةِ شِعْرِ الشَّاعِرِ، وإحْكامِ نَظْمِه، وكَثْرةِ أشْعارِه، وتَفَنُّنِه في سائِرِ فُنونِ الشِّعْرِ وأغْراضِه.
وقد قسَّمَ العُلَماءُ الشُّعَراءَ خَمْسةَ أنْواعٍ:
1- شاعِرٌ خِنْذيذٌ: وهو الشَّاعِرُ الفَحْلُ الَّذي يَجمَعُ إلى جَودةِ شِعْرِه رِوايةَ أشْعارِ الشُّعَراءِ قبْلَه، كما كانَ زُهَيْرُ بنُ أبي سُلْمى راوِيةً لأوْسِ بنِ حَجَرٍ.
2- شاعِرٌ ‌مُفلِقٌ: وهو مِثلُ الشَّاعِرِ الأوَّلِ في جَودةِ شِعْرِه، لكنَّه لا رِوايةَ له.
3- شاعِرٌ: وهو دونَ سابِقَيه في الجَودةِ.
4- شُوَيعِرٌ: وهو فوقَ الشِّعْرِ الرَّديءِ بدَرَجةٍ.
5- شُعْرورٌ: وهو لا شيءَ [213] ينظر: ((البيان والتبيين)) للجاحظ (2/ 8)، ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/ 115). .
ولأجْلِ ذلِك قيلَ:
الشُّعَراءُ فاعلَمَنَّ أرْبعَهْ
فشاعِرٌ يَجْري ولا ‌يُجْرى ‌معَهْ
وشاعِرٌ مِن حَقِّه أن تَرفَعَهْ
وشاعِرٌ مِن حَقِّه أن تَسمَعَهْ
وشاعِرٌ مِن حَقِّه أن تصْفَعَهْ [214] ينظر: ((رسائل الثعالبي)) لأبي منصور الثعالبي (ص:75).
وأَكْثَرُ شُعَراءِ الجاهِليَّةِ يَنْدَرِجونَ ضِمْنَ النَّوْعِ الأوَّلِ والثَّاني؛ فأَكْثَرُهم مُفلِقونَ فُحولٌ، إلَّا أنَّ الرِّوايةَ لم تكنْ سِمةً غالِبةً على أَكْثَرِهم.
وشُعَراءُ الجاهِليَّةِ لا يَسْتطيعُ أحَدٌ أن يَشمَلَهم بحَصْرٍ؛ لكَثْرةِ عَدَدِهم، والعَجْزِ عن حَصْرِهم؛ قال ابنُ قُتَيبةَ: (والشُّعَراءُ المَعْروفونَ بالشِّعْرِ عنْدَ عَشائِرِهم وقَبائِلِهم في الجاهِليَّةِ والإسلامِ أكْثَرُ مِن أن يُحيطَ بهم مُحيطٌ، أو يَقِفَ مِن وَراءِ عَدَدِهم واقِفٌ، ولو أنْفَدَ عُمرَه في التَّنْقيرِ عنهم، واسْتَفرَغَ مَجْهودَه في البَحْثِ والسُّؤالِ، ولا أحسَبُ أحَدًا مِن عُلَمائِنا اسْتَغرَقَ شِعْرَ قَبيلةٍ حتَّى لم يَفُتْه مِن تلك القَبيلةِ شاعِرٌ إلَّا عَرَفَه، ولا قَصيدةٌ إلَّا رَواها) [215] ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/61). .
إلَّا أنَّه قد نالَ بعضُ الشُّعَراءِ شُهْرةً واسِعةً، مِنهم أصْحابُ المُعلَّقاتِ: امْرُؤُ القَيْسِ، وزُهَيْرٌ، ولَبيدٌ، والأعْشى، وعَنْتَرةُ، والنَّابِغةُ، والحارِثُ بنُ حِلِّزةَ، وعَمْرُو بنُ كُلْثومٍ، وطَرَفةُ بنُ العَبْدِ، وعَبيدُ بنُ الأبْرَصِ، ومِنهم المُرَقِّشانِ؛ الأكْبَرُ والأصْغَرُ، وعَلْقَمةُ بنُ عَبدةَ، والشَّنْفرى، وبِشْرُ بنُ أبي خازِمٍ، وتَأبَّطَ شرًّا، وعَوْفُ بنُ عَطيَّةَ، وأبو قَيْسِ بنُ الأسْلَتِ، وغيْرُهم مِن الشُّعَراءِ.
وفيما يأتي ذِكْرُ شيءٍ مِن أخْبارِ أشْهَرِ هؤلاء الشُّعَراءِ، وهُمْ أصْحابُ المُعلَّقاتِ العَشْرِ، معَ بَيانِ شيءٍ مِن أشْعارِهم.

انظر أيضا: