موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ السَّادِسُ: دَواوينُ الحَماسةِ


تُعَدُّ كُتُبُ "الحَماسةِ" جُزْءًا مِن كُتُبِ الاخْتِياراتِ الشِّعْريَّةِ؛ حيثُ عمَدَ أصْحابُها إلى اخْتِيارِ بعضِ المَقْطوعاتِ الصَّغيرةِ في مَعاني الشِّعْرِ المُخْتلِفةِ، دونَ الاعْتِمادِ على القَصائِدِ الكامِلةِ في الغالِبِ، كما أنَّهم أَكْثَروا في الأخْذِ عن الشُّعَراءِ غيْرِ المَشْهورينَ، بل كَثيرٌ مِن تلك المَقْطوعاتِ لشُعَراءَ مَجْهولينَ، والغَرَضُ الأساسيُّ مِن هذه الاخْتِياراتِ كانَ أدَبيًّا وخُلُقيًّا، ولم يُعْنَ أصْحابُها بالرِّوايةِ والسَّنَدِ، فلم يَهْتمُّوا بالتَّعْريفِ بمَصادِرِهم، وتَوْثيقِ ما يَذكُرونَ.
ويَبْدو كذلك أنَّها راعَتْ طَبيعةَ المُخْتاراتِ الأدَبيَّةِ مِن حيثُ البُعْدُ عنِ السَّآمةِ والمَلَلِ؛ ولِهذا اعْتَمدَتْ على المَقْطوعاتِ الصَّغيرةِ دونَ القَصائِدِ الكامِلةِ والمُطَوَّلاتِ، كما اهْتَمَّتْ بالفُكاهةِ، فتَضمَّنَتْ شيئًا مِن المُلَحِ والنَّوادِرِ والهَزَليَّاتِ؛ فهي تَضُمُّ مَعانيَ وأغْراضًا كَثيرةً مُخْتلِفةً غيْرَ الحَماسةِ، وسُمِّيَتْ ب"الحَماسةِ" نِسبةً إلى ديوانِ الحَماسةِ لأبي تَمَّامٍ، وهو أوَّلُ ما سُمِّيَ بذلِك، فجاءَ الأُدَباءُ على إثْرِه [116] يُنظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (1/ 179)، ((في تاريخ الأدب الجاهلي)) لعلي الجندي (ص: 164). .
ومِن دَواوينِ الحَماسةِ:
أ- ديوانُ الحَماسةِ لأبي تَمَّامٍ:
هو أحَدُ المُنْتَخَباتِ الَّتي اخْتارَها أبو تَمَّامٍ حَبيبُ بنُ أَوْسٍ الطَّائيُّ المُتوفَّى سَنةَ (231هـ)، وقد قسَّمَه إلى عشَرةِ أبْوابٍ: الحَماسةُ: وهو أكْبَرُ الأبْوابِ؛ ولِهذا سُمِّيَ به، المَراثي، الأدَبُ، النَّسيبُ، الهِجاءُ، الأضْيافُ والمَديحُ، الصِّفاتُ، السَّيْرُ والنُّعاسُ، المُلَحُ، مَذمَّةُ النِّساءِ.
وقد تَفاوَتَتْ أبْوابُ الكِتابِ في الحَجْمِ؛ فالبابُ الأوَّلُ جاءَ تَقْريبًا في نِصْفِ الكِتابِ، في حينِ اخْتَلفَتْ سائِرُ الأبْوابِ في الحَجْمِ وإن كانَتْ مُتَقارِبةً شيئًا ما.
وقد حَوى الدِّيوانُ مَقْطوعاتٍ لشُعَراءَ جاهِليِّينَ وإسلاميِّينَ وعبَّاسيِّينَ، وأَكْثَرُ ما فيه المَقْطوعاتُ الشِّعْريَّةُ، ونَدَرَ أن يأتيَ بقَصيدةٍ كامِلةٍ.
وقد كَثُرَتْ عليه الشُّروحُ، مِنها شَرْحُ المَرْزوقيِّ، وشَرْحُ التَّبْريزيِّ، وشَرْحُ أبي القاسِمِ الفارِسيِّ.
ب- حَماسةُ البُحْتُريِّ:
جمَعَ أبو عُبادةَ الوَليدُ بنُ عُبادةَ البُحْتُريُّ الشَّاعِرُ المُتوفَّى سَنةَ (284هـ) مُخْتاراتٍ كَثيرةً مِن المَقْطوعاتِ الشِّعْريةِ، على غِرارِ أبي تَمَّامٍ، غيْرَ أنَّه أَكْثَرَ مِن الأبْوابِ، فجاءَ الكِتابُ في مِئةٍ وأرْبعةٍ وسَبْعينَ بابًا، قيلَ: إنَّه جمَعَها إجابةً لطَلَبِ الفَتْحِ بنِ خاقانَ وَزيرِ الخَليفةِ العبَّاسيِّ المُتَوكِّلِ، وكَثيرًا ما تَأتي القِطْعةُ مِن بَيْتٍ واحِدٍ، وأَكْثَرُ أبْوابِها مِن نَزَعاتٍ خُلُقيَّةٍ، وقِطَعُها الكَثيرةُ العَدَدِ تَدورُ حَولَ مُخْتلِفِ مَعاني الشِّعْرِ. ولم تَنَلْ حَماسةُ البُحْتُريِّ مِن الذُّيوعِ والاسْتِحسانِ ما نالَتْه حَماسةُ أبي تَمَّامٍ، ولعلَّ هذا كان السَّببَ في أنَّ القُدَماءَ لم يُعْنَوا بشَرْحِها [117] يُنظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (1/ 179)، ((في تاريخ الأدب الجاهلي)) لعلي الجندي (ص: 164). .

انظر أيضا: