موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: شروط المَفعولِ لأجْلِه


يظهر لنا من خلال التعريفِ بعضُ الشُّروطِ والاحترازات في المَفعولِ لأجْلِه، وهي:
1- كونُه مَصْدَرًا، فلو كان اسمًا جامدًا أو مشتقًّا على غير المَصْدَر لم يُنْصَب.
2- كَونُه قلبيًّا، أي: من أفعالِ القَلْبِ، كالرَّغبةِ والرَّهبةِ، والمحبَّة والخوف، والطمع، ونحو ذلك، ولا يجوزُ أن يكونَ مِن أفعالِ الجوارحِ، فلا يقال: جِئتُك قراءةً للعِلمِ.
3- مُبَيِّنًا لعِلَّةِ حُدوثِ الفِعْل، وهو الأصلُ الذي جاء له المَفعولُ لأجْلِه.
4- مُخالِفًا للفظ الفِعْل؛ لأنَّ الشَّيءَ لا يجوزُ أن يكونَ مُعلِّلًا لوجودِ نَفْسِه، فلا يكون مِثْلُ (زرتُك زيارةً) مفعولًا لأجْلِه.
5- مُتَّحِدًا مع عامِلِه في الزَّمانِ؛ بأن يكون الفِعْلُ المعلَّلُ والمَصْدَرُ المعلِّلُ متَّفِقَين في الزَّمانِ؛ فلا يقال: تأهَّبتُ اليومَ السَّفَرَ غدًا؛ فإن السَّفَرَ -وهو المَصْدَرُ- ليس متفقًا مع الفِعْل -وهو التأهُّبِ- في الزَّمانِ.
6- مُتَّحِدًا مع عامِلِه في الفاعِل؛ بأن يكونَ الفاعِلُ للفِعلِ هو الفاعِلَ للمَصْدَرِ. تَقولُ: قُمتُ رمضانَ طمعًا في المغفرةِ؛ فإن القائِمَ والطَّامِعَ واحِدٌ، ولا يجوزُ أن تَقولُ: جئتُك محبَّتك إيَّاي؛ لأنَّ الفاعِل اختلف؛ ففاعِلُ المجيءِ هو المُتكَلِّم، وفاعِلُ المحبَّةِ هو المخاطَبُ يُنظَر: ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان الأندلسي (7/ 233)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (1/ 509). .
مثالُ ما تحقَّقت فيه الشُّروطُ:
قولك: ذاكرت رغبةً في التفوُّقِ، وراقبتُ اللهَ خَوفًا مِن عَذابِه، وطَمعًا في ثَوابِه، وأملًا في جَنَّتِه.
فكلٌّ مِن (رغبةً، خوفًا، طمعًا، أملًا) مَفعولٌ لأجْلِه قد استوفى الشُّروطَ المذكورةَ.
حُكمهُ:
حُكمُ المَفعولِ لأجْلِه جوازُ النصْبِ إنْ تحقَّقت الشُّروطُ، فإنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِن الشُّروطِ المذكورةِ تَعَيَّنَ جَرُّه بلامِ التَّعليلِ، أو (مِن) أو (في).
فمِثالُ فاقِدِ المَصْدَريَّةِ: قَولُه تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29] ، وقوله تعالى: والأرضَ وضعها للأنامِ.
(خلق)   فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديره (هو) يعودُ على الاسمِ الكريمِ.
(لكم)   اللامُ: حَرفُ جَرٍّ يفيد التعليلَ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، والكاف: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جرٍّ، وشبه الجُملة متعلق بالفِعْل (خلق).
ومِثْلُه قولك: ذهَبَ للمالِ، جِئتُ للعُشبِ.
فالمالُ والعُشبُ لَيْسا بمَصْدَرين؛ فوجب جرُّهما باللَّامِ.
ومِثالُ ما فقد الاتحادَ في الزَّمانِ:
قولُ امرئِ القَيسِ:
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوٍم ثِيَابَهَا
لَدَى السَّتْرِ إِلَّا لبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
فالنَّومُ هنا مَصْدَرٌ وقَع علَّةً لخَلعِ الثِّيابِ، إلَّا أنَّ زَمَنَ خَلعِ الثِّيابِ ليس هو زمَنَ النومِ، بل سابقٌ على زمن النومِ؛ فلذلك جُرَّ باللَّامِ.
ومِثْلُه: سافَرَ للعِلمِ، فالعِلمُ: مَصْدَرٌ، لكنه غيرُ متَّحِدٍ مع الفِعْلِ في الزَّمَنِ؛ لأنَّ السَّفَرَ قبلَ حُصولِ العِلمِ.
ومثالُ ما فقد الاتحادَ في الفاعِلِ:
قول الشَّاعِر:
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ
كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ
فالذِّكرى مَصْدَرٌ قَلْبِيٌّ، وقد اتَّحد مع عامِلِه الذي هو (تعروني) في الوقتِ، إلَّا أنهما لم يتَّحِدا في الفاعِل؛ ففاعِل (تَعرُوني) هو (هِزَّة)، وفاعِلُ الذِّكرى هو (ضَميرُ المُتكَلِّم)، فلم يتَّحِدا في الفاعِلِ.
ومثالُه أيضًا: قَولُك: حَمِدَني لإشفاقي عليه، فالإشفاقُ مَصْدَرٌ قلبيٌّ، لكِنَّه غيرُ متَّحِدٍ في الفاعِلِ مع الفِعْل؛ لأنَّ فاعِلَ الحَمدِ ضَميرُ الغائِبِ، وفاعِلَ الإشفاقِ ضَميرُ المُتكَلِّم يُنظَر: ((شرح ألفية ابن مالك)) لابن الناظم (ص: 198)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 1384). .
ويقومُ مَقامَ اللَّامِ (مِن)، كقَولِه تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ [الحج: 22] ، وكذلك (في) نَحوُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «دخلت امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ ربطَتْها» أخرجه مطولاً البخاري (3318) واللفظ له، ومسلم (2242)، من حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. وأخرجه مسلم (2619) مطولاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. .

انظر أيضا: