موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الخامِسَ عَشَرَ: ابنُ هِشامٍ الأنصاريُّ (ت: 761 هـ)


أبو مُحَمَّدٍ، جمالُ الدِّينِ، عَبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ بنِ أحمَدَ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ يُوسُفَ، المِصريُّ، النَّحْويُّ اللُّغَويُّ، من أئمَّةِ العَرَبيَّةِ.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ ثمانٍ وسَبْعِ مِائةٍ.
مِن مَشَايِخِه:
الشِّهابُ عبدُ اللَّطيفِ بنُ المُرَحَّلِ، وابنُ السَّرَّاجِ، والتَّاجُ التبريزيُّ، وتاج الدين الفاكهاني، بدرُ الدينِ ابنُ جماعة.
ومِن تَلَامِذَتِه:
جلالُ بنُ أحمَدَ بنِ يُوسُفَ التبَّانيُّ، وجمالُ الدِّينِ إبراهيمُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَميوطيُّ اللَّخْميُّ، وأبو محمد ابن مفلح المقدسي.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
انفرد بالفوائِدِ العَربيَّةِ والمَباحِثِ الدَّقيقةِ والِاطِّلاعِ المُفرِطِ والِاقتِدارِ على التَّصَرُّفِ في الكَلامِ، ويُقالُ: إنَّه أنحَى مِن سَيبَوَيه، وكان كَثيرَ المُخالَفةِ لِأبي حَيَّانٍ.
وتَفَقَّه بالمَذهَبِ الشَّافِعيِّ، ثُمَّ بالمَذهَبِ الحَنبَليِّ، فحَفِظَ مُختَصَرَ الخِرَقيِّ، وأتقَنَ العَربيَّةَ، كان شَريفَ النَّفسِ لم يَتَدَنَّس بشَيءٍ مِن وظائِفِ الفُقَهاءِ، وكان ثاقِبَ الذِّهنِ، نافِذَ الفِكرة، فاقَ جَميعَ أقرانِه بَلِ الشُّيوخَ في هذا الشَّأنِ.
ومِن شِعْرِه:
ومَن يَصطَبِرْ للعِلْمِ يَظفَرْ بنَيْلِه
ومن يَخطُبِ الحَسْنَاءَ يَصبِرْ على البَذْلِ
ومَن لم يُذِلَّ النَّفسَ في طَلَبِ العُلا
يسيرًا يَعِشْ دَهرًا طَويلًا أخَا ذُلِّ
عَقيدتُه:
يبدو مِن كُتُبِ ابنِ هِشامٍ مخالفتُه للمُبتدعة وخاصَّة المعتزلة؛ يتجَلَّى ذلك في اختِصارِه كتاب: ((الانتصاف من الكشَّاف))، وهو كتابٌ وَضَعه ابنُ المُنَيِّرِ المالكيُّ في الردِّ على الزَّمخشريِّ.
كما يتَّضِحُ ذلك من رُدودِه في كُتُبِه على المعتَزِلةِ؛ فمِن ذلك قَولُه: ((وقد اختُلِف في الباءِ مِن قَولِه تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر: 98] ؛ فقيل: للمُصاحبةِ، والحَمدُ مضافٌ إلى المفعولِ، أي: فسَبِّحْه حامِدًا له، أي: نَزِّهْهُ عمَّا لا يليقُ به، وأَثْبِتْ له ما يليقُ به. وقيل: للاستِعانةِ، والحَمدُ مُضافٌ إلى الفاعِلِ، أي: سَبِّحْهُ بما حَمِد به نَفْسَه؛ إذ ليس كُلُّ تنزيهٍ بمحمودٍ؛ ألا ترى أنَّ تسبيحَ المُعتَزِلةِ اقتضى تعطيلَ كثيرٍ مِنَ الصِّفاتِ؟!)) [635] ينظر: ((مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)) لابن هشام (ص: 140). .
وقال: ((والثَّامِنُ: المقابَلةُ، وهي الدَّاخِلةُ على الأعواضِ، نحوُ: اشتريتُه بألفٍ، وكافَأْتُ إحسانَه بضِعْفٍ، وقَولِهم: هذا بذاك، ومنه: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] ، وإنَّما لم نُقَدِّرْها باءَ السَّبَبيَّةِ كما قالت المُعتَزِلةُ، وكما قال الجَميعُ في: ((لن يَدخُلَ أحَدُكم الجنَّةَ بعَمَلِه )) [636] أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816) مطولاً باختلاف يسير من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ؛ لأنَّ المُعطيَ بعِوَضٍ قد يُعْطِي مجانًا، وأمَّا المُسَبَّبُ فلا يُوجَدُ بدونِ السَّبَبِ. وقد تبيَّنَ أنَّه لا تعارُضَ بَيْنَ الحديثِ والآيةِ، لاختِلافِ مَحمَلَيِ الباءَينِ جمعًا بَيْنَ الأدِلَّةِ)) [637] ينظر: ((مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)) لابن هشام (ص: 141). .
وقال أيضًا: ((لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام: 158] أي: إيمانِها وكَسْبِها. والآيةُ مِنَ اللَّفِّ والنَّشْرِ، وبهذا التَّقديرِ تندَفِعُ شُبهةُ المعتَزِلةُ، كالزَّمخشريِّ وغَيرِه؛ إذ قالوا: سَوَّى اللهُ تعالى بين عَدَمِ الإيمانِ وبَيْنَ الإيمانِ الذي لم يقتَرِنْ بالعَمَلِ الصَّالحِ في عَدَمِ الانتِفاعِ به)) [638] ينظر: ((مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)) لابن هشام (ص: 820). .
مُصَنَّفَاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((مُغْني اللَّبيب عن كُتُب الأعاريب))، وكتاب: ((عُمدة الطَّالِب في تحقيق تصريف ابن الحاجِب))، وكتاب: ((شُذور الذَّهَب))، وكتاب: ((قَطْر النَّدى وَبَلُّ الصَّدى))، وكتاب: ((أوضح المسالك)).
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ إحدى وستِّين وسَبْعِ مِائةٍ [639] يُنظَر: ((أعيان العصر وأعوان النصر)) للصفدي (3/ 5)، ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)) لابن حجر (3/ 93)، ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) للسيوطي (1/ 536)، ((السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة)) لابن حُمَيْد (1/ 148). .

انظر أيضا: