موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ السَّابعَ عَشَرَ: أبو زَيدٍ السُّهَيليُّ (ت: 581 هـ)


أبو زيدٍ، عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَبدِ اللهِ بنُ أبي الحَسَنِ الخَثعميُّ ثمَّ السُّهيليُّ، المحَدِّثُ الأديبُ النَّحْويُّ.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ ثمانٍ وخَمسِ مِائة بمالقة.
مِن مَشَايِخِه:
ابن الطراوة، وسُلَيمانُ بنُ يحيى، وأبو عليٍّ منصورُ بنُ الخَيرِ، وأبو عَبدِ اللهِ المُعَمَّرُ، وأبو بكرِ بنُ العَرَبيِّ، وأبو عَبدِ اللهِ بنُ مَكِّيٍّ.
ومِن تَلَامِذَتِه:
أبو الحُسَينِ بنُ السَّرَّاجِ، وقاسمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قاسمٍ الصَّدفيُّ، ومُحَمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ يَربوعَ الجيانيُّ، ويوسُفُ بنُ إبراهيمَ بنِ عَبدِ العَزيزِ القَيسيُّ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
كان عالِمًا بالعَرَبيَّة واللُّغةِ والقِراءاتِ، بارعًا في ذلك، جامعًا بين الرِّوايةِ والدِّرايةِ، نحْويًّا متقدِّمًا، أديبًا، عالِمًا بالتفسيرِ وصِناعةِ الحَديثِ، حافظًا للرِّجالِ والأنسابِ، عارفًا بعِلمِ الكَلامِ والأُصولِ، حافِظًا للتاريخِ، واسِعَ المعرفةِ، غَزيرَ العِلمِ، نبيهًا ذكيًّا، صاحِبَ اختراعاتٍ واستنباطاتٍ، حَدَّث بمالَقةَ وانتَشَرَت تواليفُه، وهي دالَّةٌ على عِلْمِه وذكائِه، وكان مكفوفَ البَصَرِ، من جِلَّةِ العُلَماءِ وعِلْيَتِهم، عارِفًا مُتفَنِّنًا ضابِطًا حافِظًا للُّغاتِ والآدابِ، تصدَّرَ للإقراءِ والتدريسِ والحديثِ، وبَعُدَ صِيتُه، وجَلَّ قَدْرُه، وحمل النَّاسُ عنه حتى قيل فيه: هَضْبةُ عُلومٍ سَنِيَّة، وكان في الشِّعرِ واضِحة جَلِيَّة، من رَجُلٍ تلقَّت القريضَ يمينُه، وانتَظَم له من جوهَرِه ثمينُه.
ومِن شِعْرِه:
الدِّينُ يُشرِقُ والأيَّامُ تَبتَسِمُ
والدَّهرُ مُعتَذِرٌ، والخَطْبُ مُحتَشِمُ
ودولةُ الحَقِّ والتوحيدِ قد وضَحَت
لها بشائِرُ زاحت عندها الغمَمُ
مُصَنَّفَاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((الإعلام بما وقع في القُرآنِ من الأسماء الأعلام))، وكتاب: ((الرَّوض الأُنُف))، وكتاب: ((نتائِج الفِكَر))، وكتاب: ((تفسير سورة يوسف)).
عَقيدتُه:
كان السُّهَيليُّ رحمه اللهُ أشعريًّا، يَظهَرُ ذلك في كتاباتِه، منها قَولُه: ((والأسماءُ عِبارةٌ عن المُسَمَّى، وهي مِن كلامِ اللهِ سُبحانَه القديمِ، ولا نقولُ في كلامِ اللهِ: هو هو ولا هو غيرُه، كذلك لا نقولُ في أسمائِه التي تضَمَّنَها كلامُه: إنَّها هو ولا هي غيرُه، فإن تكَلَّمْنا نحن بها بألسِنَتِنا المَخلوقةِ وألفاظِنا المُحْدَثةِ فكَلامُنا عَمَلٌ من أعمالِنا، واللهُ سُبحانَه وتعالى يقولُ: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 69] ، وقُبْحًا للمُعتَزِلةِ؛ فإنَّهم زعَموا أنَّ كلامَه مخلوقٌ، فأسماؤه على أصلِهم الفاسِدِ مُحْدَثَةٌ غيرُ المُسَمَّى بها، وسَوَّوا بين كلامِ الخالِقِ وكلامِ المخلوقِ في الغَيْريَّةِ والحُدوثِ)) [524] ينظر: ((الروض الأنف)) للسهيلي (1/ 109). .
وقال أيضًا: ((فإنْ قِيلَ: أوليس بجائزٍ أن يخبِرَ عنه سُبحانَه أنَّه فوق سَبعِ سَمَواتٍ؟ قُلْنا: ليس في هذه الآيةِ ولا في هذا الحديثِ دَليلٌ على إطلاقِ ذلك، فإن جاز فبدليلٍ آخَرَ، وكذلك قَولُ زينبَ: ((زَوَّجَني اللهُ من نبيِّه مِن فَوقِ سَبعِ سَمَواتٍ)) [525] أخرجه البخاري (7420) باختلاف يسير من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ، وإنما معناه أنَّ تزويجَه إيَّاها نزل من فَوقِ سَبعِ سمواتٍ، ولا يَبعُدُ في الشَّرعِ وَصْفُه سُبحانَه بالفَوقِ على المعنى الذي يليقُ بجلالِه، لا على المعنى الذي يَسبِقُ للوَهمِ مِن التَّحديدِ، ولكِنْ لا يُتلقَّى إطلاقُ ذلك الوَصفِ ممَّا تقدَّم من الآيةِ والحَديثَينِ؛ لارتباطِ حَرفِ الجَرِّ بالفِعْلِ حتى صار وصفًا له لا وصفًا للباري سُبحانَه)) [526] ينظر: ((الروض الأنف)) للسهيلي (6/ 234). .
وقال أيضًا: ((واختَلَف الأُصوليُّون في مسألةٍ مِنَ الإكراهِ، وهي: هل المُكْرَهُ على الفِعْلِ مخاطَبٌ بالفِعلِ أم لا؟ فقالت المُعتَزِلةُ: لا يصِحُّ الأمرُ بالفِعْلِ مع الإكراهِ عليه، وقالت الأشعَريَّةُ: ذلك جائِزٌ؛ لأنَّ العَزْمَ إنَّما هو فِعْلُ القَلْبِ، وقد يُتصَوَّرُ منه في ذلك الحِينِ العَزمُ والنيَّةُ، وهي القَصْدُ إلى امتِثالِ أمرِ اللهِ تعالى، وإن كان ظاهِرُه أنَّه يفعَلُه خَوفًا من النَّاسِ)) [527] ينظر: ((الروض الأنف)) للسهيلي (3/ 114). .
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ إحدى وثَمانينَ وخَمسِ مِائة [528] يُنظَر: ((بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس)) لابن عميرة (ص: 367)، ((أعلام مالقة)) لابن عسكر (ص: 252)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (12/ 731)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص: 181). .

انظر أيضا: