موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الرَّابِع والأربعون: أبو نصرٍ الجَوهريُّ (ت: 393هـ)


أبو نَصرٍ إسماعيلُ بنُ حَمَّادٍ التُّركيُّ الفارابيُّ، وأصلُه من بلادِ التُّركِ من فاراب.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ ثمانٍ وعشْرينَ وثلاثِ مِائةٍ.
مِن مَشَايِخِه:
أبو سَعيدٍ السِّيرافيُّ، وأبو عليٍّ الفارسيُّ، وأبو إسحاقَ الفارابيُّ خالُه.
ومِن تَلَامِذَتِه:
إبراهيمُ بنُ صالحٍ الوَرَّاقُ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
الإمامُ الأديبُ، أوَّلُ من حاول الطَّيرانَ، ومات في سَبيلِه، من أعاجيبِ الزَّمانِ ذَكاءً وفِطنةً وعِلمًا، وكان من أذكياءِ العالَمِ، من فُرسانِ الكلامِ في الأُصولِ، وأحَدُ مَن يُضرَبُ به المَثَلُ في ضَبطِ اللُّغةِ، وخَطُّه يُضرَبُ به المَثَلُ في الجودةِ، وكان يحِبُّ الأسفارَ والتغرُّبَ، ويؤثِرُ الغُربةَ على الوَطَنِ، ولَمَّا قضى وطَرَه من قَطْعِ الآفاقِ والأخذِ عن عُلَماءِ الشَّامِ والعِراقِ، عاود خُراسانَ، فأنزله أبو الحُسَينِ الكاتِبُ عِندَه، وبالَغَ في إكرامِ مَثْواه جُهْدَه، فسكن نيسابورَ يُدَرِّسُ ويُصَنِّفُ اللُّغةَ، ويُعَلِّمُ الكِتابةَ.
عَقِيدتُه:
لم تَذكُرْ كُتبُ التَّراجمِ شيئًا عن اعتقادِ الجَوهريِّ، إلَّا أنَّ بعضَ المواضعِ في كِتابِ (الصِّحاحِ) أنبَأَت عن مَيلِه إلى المعتزلةِ ومُوافقتِه لهم، خاصَّةً أنَّه تَلميذُ السِّيرافيِّ وأبي عَليٍّ الفارسيِّ المعتزليَّينِ؛ فمِن ذلك قولُه: (واستَوى على ظَهرِ دابَّتِه، أي: عَلا واستقَرَّ، وساوَيْتُ بيْنهما، أي: سَوَّيْتُ، واسْتَوى إلى السَّماءِ، أي: قَصَدَ، واسْتَوى، أي: استَولَى وظهَرَ، وقال:
قد اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ * مِن غَيرِ سَيفٍ ودمٍ مُهْراقِ) [421] ينظر: ((الصحاح = تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (6/ 2385). .
وتَفسيرُ الاستواءِ بالاستيلاءِ مَذهبُ المعتزلةِ، وهذا البيتُ مَجهولٌ قائلُه لا يَصِحُّ الاحتجاجُ به.
ومنه أيضًا قوله: (ويُقال: أنتَ على عَيْني، في الإكرامِ والحفظِ جميعًا؛ قال اللهُ تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39] ) [422] ينظر: ((الصحاح = تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (6/ 2171). .
ومنه كذلك تأثُّرُه بالمعتزلةِ في إطلاقِ "القديمِ" على اللهِ تعالى؛ قال: (والأَزَلُ بالتَّحرُّكِ: القِدَمُ، يُقال: أَزَلِىٌّ، ذكَرَ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ أصلَ هذه الكلمةِ قولُهم للقديمِ: لم يَزَلْ، ثمَّ نُسِبَ إلى هذا فلم يَستقِمْ إلَّا باختصارٍ، فقالوا: يَزَلِىٌّ، ثمَّ أُبدِلَت الياءُ ألِفًا؛ لأنَّها أخَفُّ فقالوا: أَزَلِىٌّ) [423] ينظر: ((الصحاح = تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (4/ 1622). .
من شِعْرِه:
رأيتُ فَتًى أشقَرًا أزرَقًا
قليلَ الدِّماغِ كَثيرَ الفُضولْ
يُفَضِّلُ مِن حُمْقِه دائِبًا
يَزيدَ بنَ هِندٍ على ابنِ البَتُولْ.
ومنه:
لو كان لي بُدٌّ من النَّاسِ
قطَعْتُ حَبْلَ النَّاسِ باليَاسِ
العِزُّ في العُزلةِ لكِنَّه
لا بُدَّ للنَّاسِ مِن النَّاسِ
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((الصَّحاح في اللُّغة))، وكتاب: ((عَرُوض الورقة))، وكتاب: ((المقدِّمة في النَّحْو)).
سَبَبُ وفاتِه:
أنَّه صنع جَناحَينِ مِن خَشَبٍ وربطهما بحَبلٍ، وصَعِدَ سَطحَ دارِه، ونادى في النَّاسِ: لقد صنَعْتُ ما لم أُسبَقْ إليه وسأطيرُ السَّاعةَ، فازدحم أهلُ نَيسابورَ يَنظُرون إليه، فتأبَّطَ الجناحَينِ ونَهَض بهما، فخانه اختِراعُه، فسقط إلى الأرضِ قَتيلًا!
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ ثلاثٍ وتِسعينَ وثلاثِ مِائة، وقيل: في حدود سنة: أربعِ مِائة [424] يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (2/ 656)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (17/ 80)، ((الأعلام)) للزركلي (1/ 313)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (8/ 724)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (2/ 116). .

انظر أيضا: