موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَبُو عَبْد اللهِ نِفْطَوَيْه (ت: 323 هـ)


أَبُو عَبْدِ اللهِ إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَة بن سُلَيْمَان بن المُغِيرَةِ بن حَبِيب بن المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة الأَزْدِيُّ، الواسطيُّ، العَتَكِي المَعْرُوفُ بـ"نِفْطَوَيْه" النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ. من أحَفْاد المُهَلَّب بن أبي صُفْرةَ.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ أربعٍ وأربعينَ ومِائَتَينِ. وقيل: سَنةَ أربعينَ ومِائَتَينِ.
مِن مَشَايِخِه:
إِسْحَاقُ بنُ وَهْبٍ العلَّافُ، وشُعَيْبُ بنُ أَيُّوب الصَّرِيفينِي، ومُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الدَّقِيقِي، وأَحْمَدُ بنُ عَبْد الجَبَّار العُطَارِدِي، ومُحَمَّدُ بنُ الجَهْم، وثَعْلَبٌ، والمُبَرِّد، وتَفَقَّه على دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ.
ومِن تَلَامِذَتِه:
المُعَافَى بن زَكَرِيَّا، وأبو بَكْر بنُ شَاذَان، وأبو عُمَر بن حَيَّوَيْه، وأبو بَكْر بن المُقْرِئ، وأبو طَاهِر بن أبي هِشَام، وأبو عبد الله المَرْزُبَانِي.
سَبَبُ تَسْمِيَتِه بـ"نِفْطَوَيْه":
سُمِّي بـ"نِفْطَوَيْه"؛ لدَمَامَتِه وسَوَادِه، فَشَبَّهُوه بالنِّفْطِ؛ ولأنَّه كان يُؤيِّد مَذْهَب "سَيْبَوَيْه" في النَّحْوِ فَلَقَّبُوه بـ"نِفْطَوَيْه".
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
كَانَ نِفْطَوَيْه عَالِمًا بِالعَرَبِيَّةِ واللُّغَة والحَدِيث، حَافِظًا للسِّير وَأَيَّام النَّاس، والتواريخ، والوَفَيَات، وَكَانَ زَاهِر الأَخْلَاق، ذَا مُرُوءَة وظرْفٍ، حَسَن المُجَالَسَة، صَادِقًا فِيمَا يَرْوِيه، حَافِظًا لِلْقُرْآن؛ جَلَس للإقْرَاء أَكثَرَ مِن خمسين سنة، وكان يَبْتَدِئ فِي مَجْلِسه بِالْقُرْآنِ على رِوَايَة عَاصِم، ثمَّ يُقْرِئ الكُتُب.
وكان أيضًا فَقِيهًا على مَذْهَب دَاوُد الظَّاهِرِي رَأْسًا فِيهِ، وكان بَيْنَه وبين مُحَمَّد بن داود الظاهريِّ مَوَدَّةٌ أكِيدَة وتَصَافٍ تَامٍّ.
وكان مُتَضَلِّعًا مِنَ العُلُوم، يُنكِر الاشتقَاق وَيُحيله -أي: يَرَى فسادَه-.
وَمِنْ مَحْفُوظِه: نقَائِضُ - هي: قصائِدُ تجمَعُ الهِجَاءَ والفَخْرَ في الوَقْت ذَاتِه، وتُنْظَمُ على نَسَقِ القَصِيدة البَادِئَة -جَرِيرٍ وَالفَرَزْدَقِ، وَشِعرُ ذِي الرُّمَّة، وكان يقول: (سَائِر العُلُوم إِذا مُتُّ، هُنَا مَن يَقُوم بهَا، وأمَّا الشِّعْرُ، فَإِذا مُتُّ مَات على الحَقِيقَة). وقال: (مَن أَغْرَب عَليَّ بَيْتًا لجَرِيرٍ لَا أَعْرِفُه، فأنا عَبدُه!).
وكان بَيْنَه وبَيْن ابنِ دُرَيْد، ومُحَمَّد بن زَيْد الوَاسِطِي المُتَكَلِّم مُنَافَرَةٌ، وكان مُحَمَّدُ بنُ زَيْد يُؤذِيه، وقد هَجَاهُ بقَولِه:
مَنْ سَرَّهُ أَنْ لا يَرَى فَاسِقًا
فَلْيَجْتَنِبْ مِنْ أَنْ يَرَى نِفْطَوَيْه
أَحْرقَهُ اللهُ بنِصْفِ اسْمِهِ
وَصَيَّرَ البَاقِي صُرَاخًا عَلَيْهِ
وقال أيضًا: (مَن أَرَادَ أن يَتَنَاهَى في الجَهْل فليَعرِفِ الكلامَ على مَذْهَبِ النَّاشئِ، والفِقهَ على مَذْهَبِ دَاوُد، والنَّحْوَ على مَذْهَبِ سيبَوَيْه، وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ المذَاهِبَ نِفْطَوَيْه؛ فَإِليه المُنْتَهَى!).
وقد هَجَاه ابن بَسَّام كذلك، فقال فيه:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَبِي آدَمَا
صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ذُو الفَضْلِ
فَقَالَ أَبْلِغْ وَلَدِي كُلَّهُمْ
مَنْ كَانَ فِي حَزَنٍ وَفِي سَهْلِ
بِأَنَّ حَوَّاءَ أُمَّهُمْ طَالِقٌ
إِنْ كَانَ نِفْطَوَيهْ مِنْ نَسْلِي
وكان لنِفْطَوَيْه أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ، فمِن شِعْره:
أَسْتغْفِرُ اللهَ ممَّا يعلمُ اللهُ
إنَّ الشَّقِيَّ لَمَنْ لَمْ يَرْحَمِ اللهُ
هَبْهُ تجاوَزَ لِي عَنْ كلِّ مَظْلَمةٍ
واسَوْأتاه مِنْ حَيَائِي يومَ ألقَاهُ
ومنه:
كَمْ قَدْ خَلَوتُ بِمَن أَهْوَى فيَمْنَعُني
مِنْه الحَيَاءُ وخَوْفُ اللهِ والحَذَرُ
كم قد خَلَوْتُ به يومًا فتُقْنِعُني
منه الفُكاهَةُ والتَّحْديثُ والنَّظَرُ
أهْوَى المِلاحَ وأَهْوَى أَنْ أُجالِسَهم
ولَيْس لِي في حَرامٍ منهمُ وَطَرُ
كذلك الحُبُّ لا إتْيَانُ مَعْصِيةٍ
لا خيرَ في لَذَّةٍ مِن بَعْدِهَا سَقَرُ
عَقِيدَتُه:
قال الذَّهَبيُّ: (كان دَيِّنًا ذا سُنَّةٍ ومروءةٍ وفُتُوَّةٍ وكَيسٍ وحُسْنِ خُلُقٍ) [284] ينظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (7/ 473). . وذكر ابنُ حَجَرٍ عن مَسْلَمةَ أنَّه كان فيه بَعْضُ التشَيُّعِ، وهو محاباةُ آلِ البَيتِ والتقرُّبُ إليهم، دون التنَقُّصِ من غَيرِهم مِنَ الصَّحابةِ [285] ينظر: ((لسان الميزان)) لابن حجر (1/ 361). .
وإلَّا فقد صَلَّى عليه عند وَفَاتِه أبو مُحَمَّد البَرْبَهَارِي رئيسُ الحنابلةِ في عَصْرِه [286] ينظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (7/ 93). ، ولا يُتصوَّر أن يصلِّيَ عليه البَرْبَهَارِيُّ مع كونِه شِيعِيًّا رافضيًّا في وَقْتٍ كان الصِّرَاع فيه مُحْتَدِمًا بين الحَنَابِلَة والشِّيعَة.
وقد ألَّف نِفْطَوَيهِ كتابًا في الرَّدِّ على الجَهْميَّةِ والمُعتَزِلةِ ومَن وافقَهم، وهو: "الرَّدُّ على من قال بخَلقِ القُرآنِ".
وألَّف كذلك كتابًا في كَلمةِ "سُبحان" تتبَّع فيها آياتِ القرآنِ التي فيها ذُكِر التَّسبيحُ، مُقَرِّرًا فيها مَذهبَ أهلِ السُّنةِ في الأسماءِ والصِّفاتِ، فمِن ذلك قوله: (وأسمَاءُ اللهِ صِفاتٌ له، وصِفاتُ اللهِ مَدْحٌ. وكُلُّ مَن ذَكَرَ اللهَ باسمٍ مِن أسمَائِه فقَدْ أطَاعَه، إذا وَصَفَه بصِفَتِه التي رضِيَها لنَفْسِه ونَفَى سِواها عنه) [287] ينظر: ((مسألة سبحان)) لنفطويه (ص: 386). .
وقد كان نِفْطَوَيهِ يقولُ: إنَّ الاسمَ هو المُسَمَّى، موافقةً لمذهَبِ الحنابِلةِ في ذلك [288] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (1/ 121). .
مُصَنَّفَاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((التاريخ))، وكتاب: ((غريب القُرآنِ))، وكتاب: ((أمثال القُرآنِ))، وكتاب: ((المُقنِع)) في النَّحْو، وكتاب: ((القوافي))، وكتاب: ((البارع))، وكتاب: ((الوزراء))، وكتاب: ((الرد على مَن قال بخَلقِ القُرآنِ))، ولم يَصِل إلينا منها شيءٌ.
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ ثلاثٍ وعِشرينَ وثلاثِ مِائة. وقيل: أربعٍ وعِشرينَ وثلاثِ مِائة. وقد صَلَّى عليه البَرْبَهَارِي رَئِيسُ الحَنَابِلَةِ، وَدُفِن بِمَقَابِر بَاب الكُوفَة [289] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 154)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 194)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (1/ 114)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (1/ 211)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (1/ 47)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 75)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (6/ 85)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (15/ 91)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 61)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 428)، ((الأعلام)) للزركلي (1/ 61)، ((الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة)) لمجموعة باحثين (1/ 83). .

انظر أيضا: