موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّاني عَشَرَ: ابنُ دُرَيدٍ (ت: 321هـ)


أبو بكرٍ، مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ دُرَيدٍ بنِ عَتاهِية، الأزدِيُّ، البَصْريُّ.
مَوْلِدُه:
وُلِد سَنةَ ثلاثٍ وعِشرينَ ومائَتَينِ.
مِن مَشَايِخِه:
أبو حاتمٍ السِّجِسْتانيُّ، وأبو الفَضلِ العَبَّاسُ الرِّياشيُّ، وعبدُ الرَّحمنِ ابنُ أخي الأصمعيِّ.
ومِن تَلَامِذَتِه:
أبو سعيدٍ السِّيرافيُّ، وأبو بَكرِ بنُ شاذانَ، وأبو الفَرَجِ الأصفهانيُّ، وأبو عُبَيدِ اللهِ المَرزبانيُّ، وأبو العبَّاسِ إسماعيلُ بنُ مِيكالَ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:
الإمامُ المقَدَّمُ في حفظ اللُّغة والأنسابِ، وأشعار العَرَب، وكان رأسَ أهلِ العِلمِ، وآيةً من الآياتِ في قوَّةِ الحِفظِ، يُضرَبُ المَثَلُ بحِفْظِه، وكان واسِعَ الرواية لم يُرَ أحفَظَ منه، وكان يُقرَأُ عليه دواوينُ العَرَب فيسابِقُ إلى إتمامها من حِفْظِه، وكان أشعَرَ العُلَماءِ وأعلَمَ الشُّعراءِ، وانتهى في اللُّغةِ، وقام مقامَ الخليلِ بنِ أحمدَ فيها، وأورد أشياءَ في اللُّغة لم توجَدْ في كُتُبِ المتقَدِّمين، وكان يذهَبُ بالشِّعرِ كُلَّ مَذهَبٍ، وعرض له في رأسِ التِّسعينَ مِن عُمُرهِ فالجٌ سُقِيَ له التِّرياقَ فبَرِئَ منه وصَحَّ ورجع إلى أفضَلِ أحواله، ثم عاوده الفالجُ بعد حولٍ لغِذاءٍ ضارٍّ تناوله، فكان يحَرِّكُ يديه حركةً ضعيفةً، وبطل من محزَمِه إلى قَدَمَيه، فكان إذا دخل عليه الداخِلُ ضَجَّ وتألَّم لدخولِه وإن لم يَصِلْ إليه.
عَقيدتُه:
قال أبو المظَفَّرِ الإسْفِرايِينيُّ: (وكذلك لم يكُنْ في أئِمَّةِ الأدَبِ أحَدٌ إلَّا وله إنكارٌ على أهلِ البِدعةِ شَديدٌ، وبُعْدٌ مِن بِدَعِهم بعيدٌ، مِثْلُ: الخَليلِ بنِ أحمَدَ، ويُونُسَ بنِ حَبيبٍ، وسِيبَوَيهِ، والأخفَشِ، والزَّجَّاجِ، والمُبَرِّدِ، وأبي حاتِمٍ السِّجِسْتانيِّ، وابنِ دُرَيدٍ، والأزهَريِّ، وابنِ فارِسٍ، والفارابيِّ، وكذلك مَن كان مِن أئمَّةِ النَّحْوِ واللُّغةِ، مِثْلُ: الكِسائيِّ، والفَرَّاءِ، والأصمَعيِّ، وأبي زَيدٍ الأنصاريِّ، وأبي عُبَيدةَ، وأبي عَمرٍو الشَّيبانيِّ، وأبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ. وما منهم أحَدٌ إلَّا وله في تصانيفِه تَعَصُّبٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وردٌّ على أهلِ الإلحادِ والبِدعةِ) [279] ينظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) للإسفراييني (ص: 188). .
ومن شِعرِه قولُه في أهلِ الحديثِ مادحًا:
أهلًا وسهلًا بالذين أَوَدُّهُمْ
وأُحِبُّهم في اللهِ ذي الآلاءِ
أهلًا بقومٍ صالحينَ ذَوِي تُقَى
غُرِّ الوجوهِ وَزَيْنِ كلِّ مَلَاءِ
يَسْعَوْنَ في طَلَبِ الحديثِ بِعِفَّةٍ
وتَوَقُّرٍ وسَكينةٍ وحياءِ
لهمُ المهابةُ والجلالةُ والنُّهَى
وفضائلٌ جلَّتْ عن الإحصاءِ
ومِدادُ ما تجري به أقلامُهم
أزكى وأفضلُ من دمِ الشُّهداءِ
يا طالبِي علمِ النبيِّ محمدٍ
ما أنتمُ وسواكمُ بسَواءِ [280] ينظر: ((ديوان ابن دريد)) (ص: 35).
أمَّا قَولُ الإسْنَويِّ: (كان مُتَّهَمًا في دينِه) [281] ينظر: ((طبقات الشافعية)) للإسنوي (1/ 249). فإنَّما أراد به إدمانَه الخَمْرَ واستِماعَ المعازِفِ؛ فقد استفاض عنه ذلك [282] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 97)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (7/ 79). .
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((جمهرة اللُّغة))، وكتاب: ((تقويم اللِّسان))، وكتاب: ((الأمالي))، وكتاب: ((اشتقاق أسماء القبائل))، وكتاب: ((المقصور والممدود))، وكتاب: ((الوِشاح)).
ومِن شِعْرِه:
ثَوبُ الشَّبابِ عَلَيَّ اليَومَ بَهْجَتُه
وسوف تَنزِعُه عنِّي يَدُ الْكِبَرِ
أنا ابنُ عِشرينَ ما زادت ولا نقَصَت
إنَّ ابنَ عِشرينَ من شَيبٍ على خَطَرِ
ومدح الشَّافعيَّ بقصيدةٍ طويلةٍ فائقةٍ أوَّلُها:
بِمُلْتَفتَيهِ لِلْمَشِيبِ طَوَالعُ
ذوائِدُ عن ورْدِ التَّصابي طوالِعُ
ومن لم يَزَعْه لُبُّه وحياؤُه
فليس له من شَيبِ فَوْدَيه وازِعُ
ويخمُلُ ذِكرُ المَرْءِ والمالِ بَعْدَه
ولكِنَّ جَمْعَ العِلمِ للمَرءِ رافِعُ
ألم تَرَ آثارَ ابنِ إدريسَ بَعْدَه
دلائِلُها في المُشكِلاتِ لوامِعُ
معالمُ يفنى الدَّهرُ وهي خوالِد
وتنخَفِضُ الأعلامُ وهي روافِعُ
وَفَاتُه:
تُوفِّي سَنةَ إحدى وعِشرينَ وثلاثِ مِائة [283] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (2/ 191)، ((طبقات النحويين واللغويين)) للزبيدي (ص: 183)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (6/ 2490)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (4/ 323)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 96)، ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (3/ 138). .

انظر أيضا: