موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّاني: عبدُ اللهِ بنُ أبي إسْحَاقَ (ت: 117 هـ)


أبو بَحْرٍ، عبدُ اللهِ بنُ أبي إسْحَاقَ: زيدُ بنُ الحارِثِ الحَضْرميُّ مولاهم، البَصْريُّ، الزِّياديُّ، النَّحْوِيُّ المُقْرِئُ، العَلَّامةُ في علمِ العَرَبيَّةِ. وهو جَدُّ يعقوبَ الحَضْرميِّ مقرئِ البَصرةِ.
مَوْلِدُه:
وُلِدَ سَنةَ تِسعٍ وعِشرينَ.
مِن مشايخِه:
نَصْرُ بنُ عاصمٍ، ويحيى بنُ يَعمَرَ، وعَنْبَسَةُ بنُ مَعْدانَ.
ومِن تَلامِذَتِه:
أبو عَمرِو بنُ العلاءِ، وعيسى بنُ عُمرَ الثَّقَفيُّ، ويونُسُ بنُ حبيبٍ.
مَنزِلتُه ومكانتُه:
كان ابنُ أبي إسحاقَ قيِّمًا بِالعَرَبِيَّة وَالْقِرَاءَة، وَهُوَ أوَّلُ مَن فرَّع النَّحْوَ وقاسه وَتكلَّم فِي الهَمْز، وفَتَق -أي: اشتقَّ- قواعِدَ النَّحْو، وشَرَح العِلَل، ومَدَّ القِيَاسَ بحيث يَحمِلُ ما لم يُسمَعْ عن العَرَبِ على ما سُمع عنهم، وكان رَفِيقًا لأبي عَمْرِو بنِ العَلَاء.
قال ابنُ سلَّام: (سمعتُ أبي يَسألُ يونسَ عن ابنِ أبي إسحاقَ وعِلْمِه، فقال: هو والبَحرُ سواءٌ -أي: هو الغايةُ-. قال: فأين علمُه مِن عِلْم النَّاسِ اليومَ؟! قال: لو لم يكُنْ في النَّاس اليومَ أحدٌ لا يعلَمُ إلَّا عِلمَه يومئذٍ لضُحِكَ منه، ولو كان فيهم مَن له ذِهْنُه ونفاذُه، ونظر نظرَه؛ لكان أعلمَ النَّاس. قال ابنُ سلام: فقلْت أنا ليونُسَ: هل سمعتَ مِن ابنِ أبي إسحاقَ شيئًا؟ قال: نعم، قلتُ له: هل يقولُ أحدٌ "الصَّوِيق" يعني: السَّويق؟ قال: نعم، عمرُو بنُ تميمٍ تقولها. وما تريدُ إلى هذا؟! عليك ببابٍ مِن النحْوِ يطَّرِدُ ويَنْقَاسُ).
مَنْهَجُه:
كان ابنُ أبي إسحاقَ أشَدَّ النَّاسِ تجويدًا للقِياسِ، لا يَرى مخالَفةَ القواعِدِ للضَّرورةِ الشِّعْريَّةِ، وكان كثيرًا ما يَطْعُنُ على العَرَبِ إذا خالفوا القياسَ، فطَعَن على الفَرزدَقِ مِرارًا، حتى هجاه الفَرْزدَقُ قائلًا:
فلَوْ كان عبْدُ اللهِ مَولًى هَجَوْتُهُ
ولكِنَّ عبدَ اللهِ مَولَى مَواليَا
فلما سَمع عبدُ اللهِ بنُ أبي إسحاقَ هذا البيتَ قال: (أخطأ أخطَأَ، إنَّما هو مَوْلى مَوَالٍ) [20] يقصد أن الفرزدق قد أخطأ في إجرائه كلمة "مَوالٍ" مجرى الممنوع من الصرف؛ إذ جَرَّها بالفتحة فجعلها: "مَوالِيَا"، وكان ينبغي أن يصرفَها قياسًا على ما نطق به العربُ في مثلِ جَوَارٍ وغَوَاشٍ؛ إذ يحذفون الياءَ مع التنوينِ في الجَرِّ والرَّفعِ، وأمَّا في النَّصْبِ فلا تُحذَفُ الياءُ، بل تظهَرُ الفتحةُ عليها، نحوُ: "رأيتُ جَوَاريَ". وهو وإن كان الوَجْهَ في "مواليَ" أن تكونَ: "موَالٍ" كجَوَارٍ وَنَحْوِها مِن الْجمعِ المنقوصِ؛ إلَّا أنَّ الفَرَزْدقَ اضْطُرَّ إِلَى الإتمامِ والإجراءِ على الأَصْل كَرَاهَيةً للزحافِ. .
وفاتُه:
تُوفِّي سنةَ سَبعَ عَشرةَ ومائةٍ وهو ابنُ ثمانٍ وثمانينَ سنةً. وقيل: إنَّه تُوُفِّي سَنةَ تسعٍ وعشرينَ ومِائةٍ [21] يُنظَر: ((التاريخ الكبير)) للبخاري (5/ 43)، ((الثقات)) لابن حبان (5/ 61)، ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (5/ 4)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 32)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (2/ 104)، ((تهذيب الكمال)) للمزي (14/ 305)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (3/ 258)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (17/ 38)، ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (5/ 129). .

انظر أيضا: