موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ التَّاسِعُ: المُعرَّبُ في كُتُبِ اللُّغةِ والمَعاجِمِ


- ضَمَّنَ الخَليلُ في مُعجَمِه ((العَيْن)) عَدَدًا كَبيرًا مِن الكَلِماتِ المُعرَّبةِ، وكانَ يُبيِّنُ مَعانيَها ويَسْتشْهِدُ عليها، ويُنَبِّهُ على أنَّها مِن المُعرَّبِ أو الدَّخيلِ -دونَ تَفْرقةٍ بيْنَ المُصْطلَحَينِ- وكَثيرًا ما كان يَنسُبُها إلى لُغةٍ بعَيْنِها، كما نَسَبَ "هيا شراهيا" إلى العِبْرانيَّةِ، ومَعْناها: يا حَيُّ يا قَيُّومُ [239] يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 401). ، وكما نَسَبَ "طه" إلى الحَبَشيَّةِ ومَعْناها: يا رَجُلُ [240] يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 374). ، ونَسَبَ (الجُلَّسان) إلى الفارِسيَّةِ [241] يُنظر: ((العين)) للخليل (6/ 54). ، ونَسَبَ (القَيْطون) وهو المُخْدَعُ للُغةِ مِصْرَ والبَرْبَرِ [242] يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 103). ، ونَسَبَ الزَّقُّومَ للُغةِ إفْريقيَّةَ وهو الزُّبْدُ بالتَّمْرِ [243] يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 94). ، ولم يَقتَصِرِ الخَليلُ على التَّنْبيهِ على الكَلِماتِ الدَّخيلةِ، وإنَّما وَضَعَ لِذلك القَواعِدَ الَّتي يُعلَمُ بها الدَّخيلُ مِن غيْرِه، مُعْتمِدًا في الأساسِ على السَّماعِ عن العَربِ في تَقْريرِ هذه القَواعِدِ؛ يَقولُ الخَليلُ: (فإذا وَرَدَ عليك شيءٌ مِن ذلك فانْظُرْ ما هو مِن تَأليفِ العَربِ وما ليس مِن تَأليفِهم، نَحْوُ: قَعْثَجْ ونَعْثَج ودَعْثَج لا يُنسَبُ إلى عَربيَّةٍ، ولو جاءَ عن ثِقَةٍ لم يُنكَرْ، ولم نَسمَعْ به، ولكنْ ألَّفْناه ليُعرَفَ صَحيحُ بِناءِ كَلامِ العَربِ مِن الدَّخيلِ) [244] ((العين)) للخليل (1/ 54). .
وكانَ الخَليلُ يَسْتعمِلُ مُصْطلَحَ "مُحدَثةٍ أو مُبْتدَعةٍ" للكَلِمةِ الدَّخيلةِ أيضًا؛ يقولُ الخَليلُ: (فإن وَرَدَتْ عليك كَلِمةٌ رُباعيَّةٌ أو خُماسيَّةٌ مُعرَّاةٌ مِن الحُروفِ الذُّلْقِ أو الشَّفَويَّةِ... فاعْلَمْ أنَّ تلك الكَلِمةَ مُحدَثةٌ مُبْتدَعةٌ، ليست في كَلامِ العَربِ) [245] ((العين)) للخليل (1/ 12). .
وقدْ تَواصَلَ اهْتِمامُ أصْحابِ المَعاجِمِ والمُصنَّفاتِ اللُّغويَّةِ بالنَّصِّ على المُعرَّباتِ، ونِسْبتِها للُّغةِ الَّتي نُقِلَ مِنها، وتَفْسيرِ مَعْناها، وفي خِلالِ ذلك يَتَحدَّثونَ عن مَذاهِبِ العَربِ في اسْتِعمالِ الأعْجَميِّ وما يُميَّزُ به المُعرَّبُ من الألْفاظِ العَربيَّةِ.
- فقدْ أفْرَدَ أبو عُبَيْدٍ القاسِمُ بنُ سَلَّامٍ (ت: 224هـ) للمُعرَّبِ فَصْلًا في كِتابِه: "الغَريبُ المُصنَّفُ"، بعُنْوانِ: (ما دَخَلَ مِن غيْرِ لُغاتِ العَربِ في العَربيَّةِ) [246] ((الغريب المصنف)) للقاسم بن سلام (ص: 412). .
- وأفْرَدَ له ابنُ قُتَيْبةَ (ت: 276هـ) فَصْلًا مُطَوَّلًا في كِتابِه: "أدَب الكاتِبِ"، بعُنْوانِ: (ما تَكلَّمَ به العامَّةُ مِن الكَلامِ الأعْجَميِّ) [247] ((أدب الكاتب)) لابن قتيبة (ص: 495). .
- وأفْرَدَ له ابنُ دُرَيدٍ في آخِرِ كِتابِه "الجَمْهَرة" بابًا مُطَوَّلًا بعُنْوانِ: (باب لِما تَكلَّمَتْ به العَربُ مِن كَلامِ العَجَمِ حتَّى صارَ كاللُّغةِ) [248] ((الجمهرة)) لابن دُرَيْدٍ (3/ 1322). ، بَيَّنَ فيه الألْفاظَ الفارِسيَّةَ الأصْلِ والرُّوميَّةَ والنَّبَطيَّةَ والسُّرْيانيَّةَ.
- وأفْرَدَ له الثَّعالِبيُّ فَصْلَينِ مِن كِتابِه (فِقْهُ اللُّغةِ وسِرُّ العَربيَّةِ)؛ أوَّلُهما بعُنْوانِ: (فَصْلٌ في سياقةِ أسْماءٍ تَفَرَّدَتْ بها الفُرْسُ دونَ العَربِ، فاضْطرَّتِ العَربُ إلى تَعْريبِها أو تَرْكِها كما هي) [249] ((فقه اللُّغة وسر العَربيَّة)) للثعالبي (ص: 208). ، والثَّاني بعُنْوانِ: (فَصْلٌ فيما حاضَرْتُ به ممَّا نَسَبَه بعضُ الأئِمَّةِ إلى اللُّغةِ الرُّوميَّةِ) [250] ((فقه اللُّغة وسر العَربيَّة)) للثعالبي (ص: 209). .
- وأفْرَدَ له ابنُ سِيدَه في كِتابِه ((المُخصَّصِ)) ثَلاثةَ أبْوابٍ؛ الأوَّلُ مِنها بعُنْوانِ: (ما أُعرِبَ مِن الأسْماءِ الأعْجَميَّةِ) [251] ((المخصص)) لابن سيده (4/ 221). ، والثَّاني مِنها بعُنْوانِ: (بابُ اطِّرادِ الإبْدالِ في الفارِسيَّةِ) [252] ((المخصص)) لابن سيده (4/ 224). ، والثَّالِثُ بعُنْوانِ: (ما خالَفَتِ العامَّةُ فيه لُغاتِ العَربِ مِن الكَلامِ) [253] ((المخصص)) لابن سيده (4/ 221). .
أمَّا أوَّلُ كِتابٍ -فيما نَعلَمُ- خُصَّ بالحَديثِ عن المُعرَّبِ فهو ((المُعرَّبُ مِن الكَلامِ الأعْجَميِّ)) لأبي مَنْصورٍ الجَواليقيِّ، وهو مِن أكْبَرِ الكُتُبِ الَّتي جَمَعَتْ وفَسَّرَتِ المُعرَّباتِ.
ومِن الأعْلامِ الَّذين كان لهم اهْتِمامٌ كَبيرٌ بالألْفاظِ المُعرَّبةِ: الفَيْروزاباديُّ صاحِبُ ((القاموس المُحيط))؛ إذ ذَكَرَ كَثيرًا مِن مُصْطلَحاتِ العُلومِ والفُنونِ وأسْماءِ النَّباتاتِ ومُفرَداتِ الأدْوِيةِ، وأسْماءِ المُحدِّثينَ والفُقَهاءِ والبُلْدانِ؛ فكَثُرَتِ الألْفاظُ الأعْجَميَّةُ في كِتابِه، وليس أدَلَّ على ذلك مِن أنَّه ذَكَرَ في صَفْحةٍ واحِدةٍ ما يَقرُبُ مِن عَشَرةِ مُعرَّباتٍ [254] يُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 181). ، لكنْ أُخِذَ عليه أنَّه كانَ يَذكُرُ الكَلِمةَ العَربيَّةَ ثُمَّ يَذكُرُ مُرادِفَها الأعْجَميَّ؛ كقَوْلِه: (الشَّافافَجُ: نَبْتٌ، مُعَرَّبُ: شابابَك، وهو البُرْنوفُ) [255] ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 195). [256] يُنظر: ((التعريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 82 – 86). .

انظر أيضا: