موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ السَّادِسُ: طُرُقُ التَّعْريبِ


إنَّ للتَّعْريبِ أصولًا وطُرُقًا يُرجَعُ إليها في أمْرِه، وهي:
1- أقْرَبُ الطُّرُقِ للتَّعْريبِ أن يُنظَرَ في الكَلِمةِ الَّتي يُرادُ تَعْريبُها، فإن لم يَكُنْ ثَمَّةَ ما يُوجِبُ تَغْييرَها عن حالِها فإنَّها تَبْقى على حالِها دونَ تَغْييرٍ، فإن وُجِدَ فيها ما يُوجِبُ التَّغْييرَ فإنَّه يُغيَّرُ فيها بمِقْدارِ ما يُوجِبُه التَّغْييرُ دونَ أن يُزادَ على ذلك شيءٌ، فهذه الطَّريقُ يَسيرةٌ، وتَجعَلُ المُعرَّبَ قَويَّ الشَّبَهِ بأصْلِه.
2- إذا وَقَعَ في الكَلِمةِ الَّتي يُرادُ تَعْريبُها حَرْفٌ مِن الحُروفِ الأعْجَميَّةِ، وَجَبَ على المُعرِّبِ إبْدالُه حَرْفًا مِن الحُروفِ العَربيَّةِ الَّتي تُشبِهُه، فإن أشْبَهَ حَرْفَينِ جُعِلَ بَدَلَه الأقْوى شَبَهًا به؛ فالباءُ الفارِسيَّةُ تُشبِهُ الباءَ والفاءَ، والأَولى جَعْلُ الباءِ بَدَلًا مِنها لقُوَّةِ الشَّبَهِ بها، فتَعْريبُهم كَلِمةَ (پرند): (برند) أَولى مِن تَعْريبِهم لها: فِرِنْد، والأَولى في الجيمِ الفارِسيَّةِ أن تُستَبْدَلَ بها الشِّينُ (چاكر: تَعْريبُها: شاكري)، والأَولى في الزَّايِ الفارِسيَّةِ أن يُستَبْدَلَ بها الزَّايُ لا الجيمُ (لاژورد تَعْريبُها: لازورد أَولى مِن لاجورد)، وهكذا.
3- يَنْبَغي للمُعرِّبِ ألَّا يَزيدَ في الكَلِمةِ المُعرَّبةِ شيئًا إلَّا إذا دَعا إلى ذلك داعٍ؛ كأنْ تكونَ الكَلِمةُ على حَرْفَينِ، فلا بُدَّ أن يُزادَ في آخِرِها حَرْفٌ؛ لأنَّ الكَلِمةَ في العَربيَّةِ لا تَقِلُّ عن ثَلاثةِ أحْرُفٍ في الأصْلِ، والزِّيادةُ قد تكونُ في أوَّلِ الكَلِمةِ أو في وَسَطِها أو في آخِرِها.
4- يَنْبَغي للمُعرِّبِ أن يَحذَرَ النَّقْصَ إلَّا أن يَدْعوَ داعٍ لِذلك، وقد يكونُ النَّقْصُ في أوَّلِ الكَلِمةِ أو في وَسَطِها أو في آخِرِها.
5- يَنْبَغي للمُعرِّبِ الاعْتِناءُ بآخِرِ اللَّفْظِ المُعرَّبِ؛ إذ إنَّ الآخِرَ هو مَحَلُّ إعْرابِ الكَلِمةِ؛ مِثلُ قَوْلِهم في تَعْريبِ (دَسْتَهْ) -وهي الحُزْمةُ-: الدَّسْتَجة، أبْدَلوا الهاءَ جيمًا، ثُمَّ زادوا التَّاءَ في آخِرِ الكَلِمةِ للدَّلالةِ على الوَحْدةِ.
6- يَنْبَغي للمُعرِّبِ أن يَعْتنيَ بحِفْظِ الأعْلامِ عن التَّغْييرِ أكْثَرَ مِن غيْرِها مِن المُعرَّباتِ، حتَّى إنَّ بعضَ العُلَماءِ قد سَوَّغَ النُّطْقَ بها على أُصولِها، حتَّى وإن كانَ فيها شيءٌ مِن الحُروفِ أو الحَرَكاتِ غيْرِ العَربيَّةِ، معَ اسْتِثْناءِ ما عُرِّبَ في القَديمِ مِنها؛ مِثلُ: قابوس، مُعرَّبِ: كاووس.
7- إذا كانَ في الكَلِمةِ الأعْجَميَّةِ لُغتانِ إحْداهما أقْرَبُ إلى المُعرَّبِ مِن الأُخرى، فإنَّ اللُّغةَ الأقْرَبَ تُجعَلُ هي الأصْلَ؛ لأنَّ الأصْلَ في التَّعْريبِ ألَّا يُبعَدَ اللَّفْظُ المُعرَّبُ عن أصْلِه إلَّا في حالِ ثُبوتِ اللُّغةِ الأبْعَدِ [213] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 42 – 52). .
8- قد تَتَصرَّفُ العَربُ في اللَّفْظِ المُعرَّبِ بقِلَّةٍ أو بكَثْرةٍ، فتُوهِمُ كَثْرةُ التَّصرُّفِ كَوْنَ الاسمِ عَربيًّا، وليس كذلك، وأوْضَحُ مِثالٍ على ذلك كَلِمةُ لِجامٍ، وهي لفظٌ مُعرَّبٌ فارِسيٌّ (لگام) [214] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 564). ؛ فقدْ جَمَعوها على (لُجُم) كـ(كِتاب وكُتُب)، وصَغَّروها على (لُجَيِّم) كـ(كُتيِّب) ويُصَغِّرونَها تَصْغيرَ التَّرْخيمِ فيَقولونَ: لُجَيْم، بحَذْفِ الزَّائِدِ (الألِف)، ويَشْتَقُّونَ مِنها الأمْرَ وغيْرَه: يَقولونَ: ألْجِمْه، وقد ألْجَمَه، ويُؤْتى للفِعلِ بالمَصدَرِ وهو الإلْجامُ، ويَقولونَ: الفَرَسُ مُلْجَمٌ (اسمُ مَفْعولٍ)، والرَّجُلُ مُلْجِمٌ (اسمُ فاعِلٍ)، وجاءَ في الحَديثِ قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للمَرأةِ: ((تَلَجَّمي)) [215] أخرجه التِّرمذيُّ (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (27475) من حديثِ حَمْنةَ بِنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها. ، بوَزْنِ (تَفَعَّل) مِن إلْجامِ الفَرَسِ [216] يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (33/ 399، 400). ، فلا يُدْرى -لِتَمكُّنِ الكَلِمةِ- أهي عَربيَّةٌ أم مَنْقولةٌ!
9- قد تكونُ ثَمَّةَ غَرابةٌ بيْنَ اللَّفْظِ الأصْليِّ واللَّفْظِ المُعرَّبِ، فلا يَعْني ذلك أنَّ اللَّفْظَ ليس مُعرَّبًا؛ مِثلُ: القَفْشَلِيل، ويَعْني المِغْرفة، أصْلُه: گفجه ليز [217] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 30 – 32). .

انظر أيضا: