موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّاني: الفَرْقُ بيْنَ المُعرَّبِ والدَّخيلِ والمُوَلَّدِ


1- المُعرَّبُ: هو اللَّفْظُ الأعْجَميُّ المَنْقولُ إلى العَربيَّةِ، سَواءٌ صَقَلَتْه العَربُ على مِنْهاجِها وأوْزانِها، أم تَكلَّمَتْ به بغيْرِ صَقْلٍ [13] يُنظر: ((اللُّغة والنحو)) لعباس حسن (ص: 220). .
ويُشترَطُ في المُعرَّبِ أن تكونَ العَربُ قد تَكلَّمَتْ به، أي: يكونَ في عَصْرِ الاسْتِشْهادِ؛ قالَ الجَواليقيُّ: (هذا كِتابٌ نَذكُرُ فيه ما تَكلَّمَتْ به العَربُ مِن الكَلامِ الأعْجَميِّ، ونَطَقَ به القُرآنُ المَجيدُ، ووَرَدَ في أخْبارِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والصَّحابةِ والتَّابِعينَ، وذَكَرَتْه العَرَبُ في أشْعارِها وأخْبارِها ليُعرَفَ الدَّخيلُ مِن الصَّريحِ) [14] ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 95). ، ويقولُ الأزْهَريُّ: (والقَيْرَوانُ مُعرَّبٌ، وهو بالفارِسِيَّةِ كاروان، وقدْ تَكلَّمَتْ به العَرَبُ قَديمًا) [15] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (9/ 89). ، وقالَ الجَوْهَريُّ: (والنَّيْزَكُ: رُمحٌ قَصيرٌ، كأنَّه فارِسيٌّ مُعرَّبٌ، وقد تَكلَّمَتْ به الفُصَحاءُ، والجَمْعُ النَّيازِكُ) [16] ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1614). ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: (القُمْقُمُ: قالَ الأصْمَعِيُّ: هو روميٌّ مُعرَّبٌ، وقدْ تَكلَّمَتْ به العَرَبُ في الشِّعْرِ الفَصيحِ) [17] ((جمهرة اللُّغة)) لابن دُرَيْدٍ (1/ 220). .
2- المُوَلَّدُ:
المُوَلَّدُ في اللُّغةِ: المُسْتحْدَثُ، ويَقولونَ للرَّجُلِ: مُوَلَّدٌ؛ إذا لم يَكُنْ عَربيًّا خالِصًا [18] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (3/ 469)، ((المُعجَم الوسيط)) الصادر عن مجمع اللُّغة العَربيَّة (2/ 1056). .
وفي الاصْطِلاحِ: اللَّفْظُ المُوَلَّدُ: هو اللَّفْظُ الَّذي نَطَقَ به مَن لم يُحْتَجَّ بكَلامِهم مِمَّن نَشَؤوا بعْدَ القَرْنِ الثَّاني في الأمْصارِ، أو بعْدَ القَرْنِ الرَّابِعِ في الجَزيرةِ مِمَّا لم يأتِ عنِ العَربِ الأوَّلينَ [19] يُنظر: مقدمة ((شفاء الغليل)) للخفاجي (ص: 21). ؛ قالَ السُّيوطيُّ في المُوَلَّدِ: (هو ما أحْدَثَه المُوَلَّدونَ الَّذين لا يُحتَجُّ بكَلامِهم) [20] ((المزهر)) للسيوطي (1/ 242). .
ومِن ثَمَّ يَتَّضحُ الفَرْقُ بيْنَ المُولَّدِ والمُعرَّبِ؛ فالمُعرَّبُ يُطلَقُ على ما عَرَّبَتْه العَربُ الفُصَحاءُ، أي: في عَصْرِ الاسْتِشْهادِ، أمَّا المُولَّدُ فيُطلَقُ على ما عُرِّبَ بعْدَ انْقِضاءِ عَصْرِ الاسْتِشْهادِ.
ويَشمَلُ المُولَّدُ:
- ما نُقِلَ مِن الكَلِماتِ الأعْجَميَّةِ إلى اللُّغةِ العَربيَّةِ؛ مِثلُ: الطَّارِمةِ، قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: (فأمَّا هذا البِناءُ الَّذي يُسمَّى الطَّارِمةَ فليس بعَرَبيٍّ، وهو مِن كَلامِ المُوَلَّدينَ) [21] ((جمهرة اللُّغة)) لابن دُرَيْدٍ (2/ 759). .
- ما اشْتُقَّ مِن كَلِماتٍ عَرَبيَّةٍ؛ مِثلُ: بَرْهَنَ، مُشْتقَّةٌ مِن البُرْهانِ؛ قالَ الأزْهَريُّ: (وقَولُهم: بَرْهَنَ فُلانٌ: إذا جاءَ بالبُرْهانِ، مُوَلَّدٌ، والصَّوَابُ أن يُقالَ: أَبْرَهَ) [22] يُنظر: ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (6/ 157). .
- ما اشْتُقَّ مِن مُعرَّبٍ قَديمٍ؛ مِثلُ: الزِّرْفين، فارِسيٌّ مُعرَّبٌ، مَعْناه: حَلْقةُ البابِ [23] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (13/ 197). ، اشْتَقُّوا مِنه: زَرْفَنَ؛ قالَ الجَوْهَريُّ: (كَلِمةٌ مُوَلَّدةٌ) [24] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (5/ 2131). ، أو تَغْييرُ حَرَكةٍ في مُعرَّبٍ قَديمٍ، كما في فَتْحِ الدَّالِ في (الدِّيوانِ)، وهو فارِسيٌّ مُعرَّبٌ، قالَ الكِسائيُّ: (بالفَتْحِ لُغةٌ مُوَلَّدةٌ) [25] ((لسان العَرب)) لابن منظور (13/ 166). .
- الارْتِجالُ؛ كلَفْظِ الطَّرَشِ بمَعْنى الصَّمَمِ [26] يُنظر: ((لسان العَرب)) لابن منظور (6/ 311). .
3- الدَّخيلُ:
في اللُّغةِ: تقولُ العَربُ: فُلانٌ دَخيلٌ في بَني فُلانٍ: إذا كانَ مِن غيْرِهم [27] يُنظر: ((جمهرة اللُّغة)) لابن دُرَيْدٍ (1/ 580). .
وفي الاصْطِلاحِ: يُطلَقُ لَفْظُ الدَّخيلِ على كلِّ كَلِمةٍ دَخَلَتِ اللُّغةَ العَربيَّةَ مِن الكَلامِ الأعْجَميِّ، سَواءٌ غَيَّرَها العَربُ أم لم يُغيِّروها، وسَواءٌ أكانَ في عَصْرِ الاسْتِشْهادِ أم بعْدَه؛ فهو أعَمُّ مِن مُصْطَلحَيِ "المُعرَّبِ" و"المُولَّدِ".
ويَتَّضحُ ذلك في كِتابِ الخَفاجيِّ وسَمَّاه: ((شِفاءَ الغَليلِ فيما في كَلامِ العَربِ مِن الدَّخيلِ))، ذَكَرَ فيه المُعرَّبَ والمُوَلَّدَ جَميعًا.
إلَّا أنَّ كَثيرًا مِن أئِمَّةِ اللُّغةِ يَسْتَخْدِمونَ مُصْطَلَحَيِ "الدَّخيلِ" و"المُعرَّبِ" على أنَّ مَدْلولَهما واحِدٌ؛ يقولُ السُّيوطيُّ: (ويُطلَقُ على المُعرَّبِ: دَخيلٌ، وكَثيرًا ما يَقَعُ ذلك في كِتابِ العَيْنِ والجَمْهَرةِ وغيْرِهما) [28] ((المزهر)) للسيوطي (1/ 212). ، ويقولُ الجَواليقيُّ: (لم تَجتَمِعِ الجيمُ والقافُ في كَلِمةٍ عَربيَّةٍ، فمتى جاءتا في كَلِمةٍ فاعْلَمْ أنَّها مُعرَّبةٌ)، ثُمَّ يقولُ: (وليس في كَلامِهم زايٌ بعْدَ دالٍ إلَّا دَخيلٌ) [29] ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 100). .
وهنا نَلحَظُ عَدَمَ التَّفْرقةِ بيْنَ المُصْطلَحَينِ في الاسْتِعمالِ، بلْ إنَّهم قد يُشيرونَ إلى الكَلِمةِ الأعْجَميَّةِ باللَّفْظينِ معًا؛ قالَ الأزْهَريُّ في "النَّارجيل" -وهو الجَوْزُ الهِنْديُّ-: (وهو مُعرَّبٌ دَخيلٌ) [30] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (11/ 176). ، وقالَ في "الهِمْيان" وهو المِنْطقةُ الَّتي تُشَدُّ على الوَسَطِ: (والهِمْيانُ دَخيلٌ مُعرَّبٌ) [31] ((تهذيب اللُّغة)) للأزهري (6/ 176). .
فَوائِدُ:
1- هناك اصْطِلاحٌ آخَرُ يَقتَرِنُ بتلك المُصْطلَحاتِ ألَا وهو "الأعْجَميُّ"؛ فالأعْجَميُّ هو كلُّ ما نَطَقَ به العَجَمُ، لكنْ ثَمَّةَ ما يَشِي بتَفْرقتِهم بيْنَ المُعرَّبِ والأعْجَميِّ؛ إذْ لا يُطلِقُ أئِمَّةُ اللُّغةِ على الدَّخيلِ مِن الأعْلامِ -مِثلُ: إبْراهيمَ، وإسْحاقَ، وإسْماعيلَ- لَفْظَ "المُعرَّبِ"، إنَّما يُطلِقونَ عليه لَفْظَ "الأعْجَميِّ"، ويَخُصُّونَ المُعرَّبَ بالنَّكِرةِ؛ قالَ الفَيُّوميُّ: (وإن تَلَقَّوْه علَمًا فليس بمُعرَّبٍ، وقيلَ فيه: أعْجَميٌّ، مِثلُ إبْراهيمَ وإسْحاقَ) [32] ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 400). .
2- الباحِثونَ في عِلمِ اللُّغةِ يَنْقسِمونَ إزاءَ أهَمِّيَّةِ مَعْرفةِ المُعرَّبِ قِسْمَينِ:
أ - فَريقٌ يَرى أنَّه لا أهمِّيَّةَ لمَعْرفةِ المُعرَّبِ مِن الكَلِماتِ، بلْ إنَّ مُجرَّدَ ضَبْطِ الكَلِماتِ معَ مَعْرفةِ مَعْناها كافٍ في بَيانِ المَقْصودِ، ومِنهم مَن يُشكِّكُ في أكْثَرِ المُعرَّباتِ ويَرى أنَّ القائِلينَ بذلك واهِمونَ.
ب - فَريقٌ يَرى أنَّ لمَعْرفةِ المُعرَّبِ أهمِّيَّةً كُبْرى؛ إذ إنَّ مَعْرفةَ المُعرَّبِ مَدخَلٌ لمَعْرفةِ الاشْتِقاقِ الكَبيرِ والاشْتِقاقِ الأكْبَرِ، وهؤلاء يَجعَلونَ التَّعْريبَ مِن أهَمِّ المَباحِثِ الَّتي يُعلَمُ بها سِرُّ اللُّغةِ، وقد بَحَثوا في المُعرَّباتِ وأصْلِها واللُّغةِ الَّتي أتَتْ مِنها، وأبانوا عن سِرِّ التَّغْييرِ الواقِعِ في الكَلِمةِ [33] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 33). .

انظر أيضا: