موسوعة اللغة العربية

المسألةُ الأولى: اقترانُ جوابِ الشَّرْطِ بالفاءِ


إذا جاءت جُملةُ جوابِ الشَّرْطِ على خلافِ الأصلِ وجب اقترانها بالفاءِ، وذلك في:
1- الجُملةِ الطَّلَبيَّةِ، سواءٌ كان أمرًا، أم نهيًا، أم استفهامًا، أم غيرَ ذلك؛ تَقولُ: إنْ قمتَ فأغلقِ البابَ، ومتى تخرجْ فلا تَعُدْ، وإنْ تأتِ فهل تمكُثُ؟
ومنه قَولُه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: 31] ، وقَولُه تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ [يونس: 94] .
2- الجُملةُ الاسميَّةُ، تَقولُ: إن تَقُمْ فزيدٌ قائمٌ، ومنه قَولُه تعالى: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 132] ، وقَولُه تعالى: أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110] .
3- الجُملةُ الشَّرْطيةُ، تَقولُ: إنْ تأتِني فإنْ تُحدِّثْني أكرِمْك.
4- الجُملةُ الفِعْليَّةُ التي فِعلُها جامِدٌ، تَقولُ: مهْما تجهَلْ عليَّ فلستُ مُسيئًا إليك، ومنه قَولُه تعالى: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ [الكهف: 39، 40].
5- الفِعْلُ الماضي المسبوقُ بـ(قد) لفظًا، تَقولُ: مَن مات على الكُفرِ فقد حَبِط عَمَلُه، ومنه قَولُه تعالى: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [البقرة: 108].
6- الفِعْلُ الماضي المسبوقُ بـ(قد) تقديرًا، ومنه قَولُه تعالى: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ [يوسف: 26] ، أي: فقد صدَقَت.
7- الفِعْلُ الماضي المسبوقُ بنفيٍ، تَقولُ: إن قام زيدٌ فما قام عَمرٌو، ومنه قَولُه تعالى: وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80] .
8- المضارعُ المسبوقُ بـ(قد) أو حرفُ تنفيسٍ، تَقولُ: إن لم يأتِ محمَّدٌ اليومَ فقد يأتي غدًا، إن ذاكرتَ فسوف أذاكِرُ، متى أكَلْتَ فسآكُلُ.
9- المضارعُ المنفيُّ بغيرِ "لا" أو"لم"، تَقولُ: إنْ أكثَرْتَ الأكلَ ليلًا فلن تستطيعَ النَّومَ، ومنه قَولُه تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85] ، وقَولُه تعالى: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران: 115] . أمَّا إن كان منفيًّا بـ(لا) أو بـ(لم) لم تَدخُلْ عليه الفاءُ، تَقولُ: إنْ تَقُمْ لا أقُمْ، وإنْ غاب محمَّدٌ لم يحضرْ عَمرٌو.
وقد جُمِعَت الحالاتُ السَّابقةُ في بيتٍ شِعريٍّ:
اسميَّة طَلَبيَّةٌ وبجامِدٍ
وبما ولنْ وبقَدْ وبالتَّنفيسِ
وهذه المواضِعُ التي يجِبُ فيه الاقترانُ بالفاءِ لا يجوزُ حَذْفُها إلَّا في الضَّرورةِ الشِّعريَّةِ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
مَنْ يفعلِ الحَسَناتِ اللهُ يَشكُرُها
والشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلَانِ
فحُذِفت الفاءُ من جُملةِ "اللهُ يَشكُرُها" وهي جُملةٌ اسميَّةٌ يجِبُ اقترانُها بالفاءِ.
ومنه أيضًا قَولُ الشَّاعِرِ:
ومَنْ لا يَزَلْ ينقادُ للغَيِّ والهوى
سيُلْفَى على طُولِ السَّلامةِ نادِمَا
فالأصلُ: "فسيُلْفى"؛ لأنَّه فِعلٌ مُضارعٌ اقترن بحرفِ التنفيسِ، فوجب اقترانُه بالفاءِ، لكِنَّها حُذِفَت هنا للضَّرورةِ.
على أنَّه متى اقترن الفِعْلُ المضارعُ بالفاءِ وجب رَفعُه، إلَّا أن يقترِنَ بـ"لن" فيُنصَبَ، أو يقترِنَ بـ(لم) فيُجزَمَ بها لا بالشَّرْطِ، كما سبق من الأمثِلةِ.
أمَّا الفِعْلُ الذي لا يجِبُ اقترانُه بالفاءِ فإنَّه يجوزُ له أن يقترِنَ بالفاءِ، وحينئذٍ يجِبُ رفعُه، مِثلُ قَولِه تعالى: وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة: 95] ؛ فإنَّ جوابَ الشَّرْطِ مضارعٌ مُثبَتٌ لم يُسبَقْ بـ(قد) ولا حَرفِ تَنفيسٍ ولا غيرِها، ومِثْلُ قَولِه تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا [الجن: 13] ؛ فإنَّ الفِعْلَ المضارعَ هنا مسبوقٌ بـ(لا) النَّافيةِ، وهي لا توجِبُ اقترانَه بالفاءِ يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (3/ 1281)، ((شرح ألفية ابن مالك المسمى تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة)) لابن الوردي (2/ 629). .

انظر أيضا: