موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرابعُ: إجراءُ جُملةِ القَولِ مجرى مفعولَي (ظنَّ)


سبق أن ذكَرْنا في الجُمَلِ التي لها محَلٌّ مِنَ الإعرابِ جملةَ مقولِ القَولِ، وهي في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به؛ من ذلك: قلتُ: اللهُ في السَّماءِ؛ فإنَّ جملةَ "اللهُ في السَّماءِ" في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
ولا يَعمَلُ "قال" ومُشتقَّاتُه في رُكنَيِ الجملةِ كما تعمَلُ (ظنَّ)، وإنما تُحكى الجُملةُ وتُعرَبُ أركانُها تفصيلًا؛ ففي الجُملةِ السَّابقةِ اسمُ الجلالةِ مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، في: حَرفُ جَرٍّ، السَّماء: اسمٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ، وشِبهُ الجُملةِ "في السَّماءِ" في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَر.
لكن قد يأتي القَولُ بمعنى الظَّنِّ فيَنصِبُ بَعْدَه مفعولين، وذلك بشُروطٍ أربعةٍ:
1- أن يكونَ بلَفظِ المضارعِ.
2- أن يكونَ للمُخاطَبِ بأنواعِه: تَقولُ، تَقولين، تَقُولانِ، تَقولون، تَقُلْنَ.
3- أن يكونَ بعد استفهامٍ.
4- ألَّا يُفصَل بين الاستفهامِ والقَولِ بفاصِلٍ.
مثل: أتقولُ زَيدًا مُسافرًا؟ فإن "تقولُ" هنا بمنزلة "ظَنَّ" ومعناها، وقد استوفت الشُّروطَ.
أتَقولُ: الهمزةُ حَرفُ استفهامٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، تَقولُ: فِعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيدًا: مفعولٌ به أوَّلُ لـ(تقول)، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
مُسافرًا: مفعولٌ به ثانٍ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
عَلَامَ تقولُ الرُّمحَ يُثْقِلُ عاتِقي
إذا أنا لم أطْعَنْ إذا الخَيْلُ كَرَّتِ
فإن فَصَلَ بين الاستفهامِ والفِعْلِ فاصِلٌ لم يجُزْ، إلَّا أن يكونَ ظَرفًا، كقَولِك: أيومَ الجُمُعةِ تقولُ عَمْرًا راجعًا؟ وكقَولِ الشَّاعِرِ:
أبَعْدَ بُعْدٍ تقولُ الدارَ جامعةً
شَمْلِي بهم أم دوامَ البُعدِ محتومَا
أو جارًّا ومجرورًا، كقَولِك: أفي الدَّارِ تقولُ عبدَ اللهِ قاعِدًا؟
أو أحَدَ المفعولينِ، كقَولِ الشَّاعِر:
أَجُهَّالًا تقولُ بني لُؤَيٍّ
لَعَمْرُ أبيكَ أم مُتجَاهِلِينا
فإن فَصَل بين الاستفهامِ والقَولِ غَيرُ ذلك وجبت الحكايةُ ولم يجُزِ النَّصبُ، فلا يُقالُ: أأنتَ تقول زيدًا مسافرًا، بل يقالُ: أأنت تَقولُ: زيدٌ مسافرٌ.
وحُكمُ نَصبِ المفعولينِ بعد توافُرِ الشُّروطِ الجوازُ وليس الوجوبَ؛ فيجوزُ إذا استُوفِيَت الشروطُ ألَّا تنصِبَ المفعولينِ، وتُترَكُ الجملةُ على الحكايةِ، وقد رُوِي بيتُ الشِّعرِ السَّابقُ: "علامَ تقولُ الرُّمحُ" بالرَّفعِ.
وهناك من العَرَبِ مَن يُجري القَولَ مجرى الظَّنِّ مُطلقًا دون شُروطٍ؛ فيقولون: "قلتُ زيدًا منطَلِقًا"، ويُعرِبون زيدًا مفعولًا به أوَّلَ، ومُنطَلِقًا مفعولًا به ثانيًا. ومنه قَولُ الرَّاجِزِ:
قالتْ -وكنتُ رَجُلًا فَطِينا-
هذا -لَعَمْرُ اللهِ- إسرائِينا
فـ(هذا) مفعولٌ أوَّلُ لـ(قالت)، و(إسرائِينا) مَفعولٌ به ثانٍ يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 94)، ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (1/ 283). .


انظر أيضا: