موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: إعمالُ (ظَنَّ) وأخواتِها وإلغاؤُها وتعليقُها


الأصل أنَّ (ظَنَّ) وأخواتِها تَنصِبُ مَفعولينِ، لكِنْ قد يطرأُ عليها ما يُلغي ذلك العَمَلَ أو يُعلِّقُه.
أولًا: الإلغاءُ: هو إبطالُ العَمَلِ لفْظًا ومحلًّا؛ لضعْف العامِلِ بتوسُّطِه أو تأخُّرِه، كقَولِك: زَيدٌ ظننتُ قائمٌ، أو زيدٌ قائمٌ ظننتُ؛ فـ(زَيدٌ) في المثالين مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، وقائِمٌ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، وظننتُ: ظنَّ فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، و(ظنَّ) مُلْغاةٌ لتوسطها بين المُبتَدَأُ والخَبَر في المثالِ الأوَّلِ، وتأخُّرِها عنهما في الثَّاني.
ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
أبالأراجيزِ يا ابنَ اللُّؤْمِ تُوعِدُني؟!
وفي الأراجيز -خِلْتُ- اللؤمُ والخَوَرُ
فتوسَّطَت (خِلْتُ) بين المُبتَدَأِ المؤخَّرِ، وهو اللُّؤمُ، وبين الخَبَر، وهو شِبهُ الجُملةِ.
ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
هُمَا سَيِّدَانا -يَزْعُمانِ- وإنما
يَسُودانِنا إنْ أيسَرَت غَنَماهما
والإلغاءُ هنا جائزٌ، فيجوز في الأمثلةِ السَّابقةِ الإعمالُ بالنَّصبِ على المفعوليَّةِ. تَقولُ: زيدًا ظننتُ قائمًا، وزيدًا قائِمًا ظننتُ، إلَّا أنَّ إعمالَ العامِلِ أقوى من إلغائِه عند توسُّطِه، والإلغاءُ أقوى من الإعمالِ في تأخُّرِ العامِلِ هنا. ومنه قَولُ الشَّاعِر:
شَجَاكَ أَظُنُّ رَبْعُ الظَّاعِنِينا
ولم تَعبَأْ بعَذْلِ العاذِلِينا
حيث رُوِي البيتُ برَفْعِ (رَبْع) ونَصْبِه؛ فمن رفَعَه فعلى الفاعِليَّةِ وإلغاءِ (أظُنُّ)، ومَن نَصَبَه فعلى أنَّه مفعولٌ به أوَّلُ لـ(أظُنُّ).
والملحوظُ أنَّ الإلغاءَ لا يجوزُ إلَّا إذا توسَّط العامِلُ أو تأخَّر، أمَّا إذا تقدَّم فلا يجوزُ إلغاؤه، وما ورد مِن الشِّعرِ على الإلغاءِ كقَولِ كَعبِ بنِ زُهَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
أرجو وآمُلُ أن تَدْنُو مَوَدَّتُها
وما إخالُ لَدَينا مِنك تَنويلُ
فعلى تأويلِ أنَّ المفعولَ الأوَّلَ هو ضميرُ الشَّأنِ، أي: ما إخالُه لدينا منك تنويلُ، فحُذِفَ المفعولُ الأوَّلُ، والجملةُ بَعْدَه في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به ثانٍ، أو على أنَّ النَّاسِخَ مُعلَّقُ بلامِ الابتداءِ المحذوفةِ، والأصلُ: ما إخالُ لَلَدَيْنا، فعُلِّقَ عن العَمَلِ، ثم حُذِفَت اللامُ وبَقِيَ التعليقُ كما هو.
وكذلك قَولُ الشَّاعِرِ:
كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خُلُقِي
أَنِّي رَأَيْتُ مِلَاكُ الشِّيمةِ الأدَبُ.
ثانيًا: التعليقُ: وهو إبطالُ العَمَلِ لَفظًا لا محلًّا؛ لوقوعِ ما له الصَّدارةُ بعد العامِلِ، أي: (مَنْعُ النَّاسِخِ مِنَ العَمَلِ الظَّاهِرِ في لفظِ المفعولينِ معًا، أو لَفْظِ أحَدِهما، دون منْعِه من العَمَلِ في المحلِّ؛ فهو في الظَّاهِرِ ليس عاملًا النَّصبَ، ولكِنَّه في التقديرِ عامِلٌ) ينظر: ((النحو الوافي)) (2/ 27). .
والذي يُعَلِّقُ (ظَنَّ) وأخواتِها أحَدُ أشياءَ:
1- لامُ الابتداءِ. تَقولُ: دَرَيتُ لَزيدٌ مُنطلِقٌ. دَرَيتُ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، لَزَيدٌ: اللامُ لامُ الابتداءِ مَبْنيَّةٌ على الفَتحِ، زيدٌ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، مُنطَلِقٌ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والمُبتَدَأُ والخَبَرُ سدَّا مسَدَّ مفعولَيْ "درى" المعلَّقِ عن العَمَلِ لفظًا لا محلًّا.
ومنه قَولُه تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة: 102] .
2- لامُ القَسَمِ، ومنه قَولُ لَبِيدٍ:
ولقد عَلِمْتُ لَتأتينَّ مَنِيَّتي
إنَّ المنايا لا تطيشُ سِهامُها
فلولا اللامُ لكانت الجملةُ: ولقد عَلِمْتُ مَنِيَّتي آتيةً.
3- (ما) النافية، ومنه قَولُه تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 65] ؛ عَلِمْتَ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، ما: حرفُ نفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، هؤلاء: اسمُ إشارةٍ مَبْنيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ، يَنطِقون: فِعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه ثبوتُ النُّونِ؛ لأنَّه من الأفعالِ الخَمسةِ، والواوُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، وجملةُ (يَنطِقون) في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ، والجملةُ من المُبتَدَأِ والخَبَر سدَّت مسدَّ مفعولَيْ (عَلِمْتَ) المعلَّق عن العَمَلِ.
4- (لا) و(إنْ) النافيتانِ في جوابِ قَسَمٍ ملفوظٍ به أو مقدَّرٍ، نَحوُ: "عَلِمتُ واللهِ لا زيدٌ في الدَّارِ ولا عَمْرٌو"، و: "عَلِمْتُ إنْ زيدٌ قائِمٌ".
5- الاستفهامُ سواءٌ كان اسمُ الاستفهامِ أحَدَ أركانِ الجُملةِ، كقَولِه تعالى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى [الكهف: 12] ، أو كان اسمُ الاستفهامِ فَضلةً في الجملةِ، كقَولِه تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 227] ، أو دخل حَرفُ الاستفهامِ بين العامِلِ والجملةِ، نَحوُ قَولِه تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون [الأنبياء: 109] .
6- (كم) الخَبَريةُ. تَقولُ: دَرَيتَ كم كتابٍ اشتريتُه!
7- أدواتُ الشَّرْطِ الجازمةُ وغيرُ الجازمةِ، نَحوُ: لا أعلَمُ إنْ كان الغدُ ملائمًا للسَّفَرِ أو غيرَ ملائمٍ، ونحو: أحْسَبُ لو ائتَلفَ العامِلُ وصاحِبُ العَمَلِ لَسَعِدَا.

انظر أيضا: