موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الثَّاني: موضوعُ الكتابِ ومنهَجُ مُؤَلِّفِه


يمكِنُ معرفةُ موضوعِ كتابِ الفصيحِ ومنهجِ مُؤَلِّفِه من خلالِ مُقَدِّمةِ الكتابِ وخاتمتِه؛ حيثُ يقولُ ثَعلَبٌ في مُقَدِّمةِ الكتابِ: (هذا كتابُ اختيارِ فصيحِ الكلامِ ممَّا يجرى في كلامِ النَّاسِ وكتُبِهم، منه ما فيه واحدةٌ والنَّاسُ على خلافِها، فأخبَرْنا بصوابِ ذلك، ومنه ما فيه لغتانِ وثلاثٌ وأكثرُ من ذلك، فاختَرْنا أفصَحَهنَّ، ومنه ما فيه لغتانِ كَثُرتا واستُعمِلَتا، فلم تكُنْ إحداهما أكثَرَ من الأخرى، فأخبَرْنا بهما، وألَّفْناه أبوابًا، من ذلك) [338] ((الفصيح)) لثعلب (ص: 260). .
وفي خاتمةِ الكتابِ: (هذا كتابٌ اختصَرْناه وأقلَلْناه؛ لتخِفَّ المؤونةُ فيه على متعَلِّمِه الصَّغيرِ والكبيرِ، وليُعرَفَ به فصيحُ الكلامِ، ولكِنْ ألَّفناه على نحوِ ما ألَّف النَّاسُ، ونسَبوه إلى ما تلحَنُ فيه العامَّةُ، ولم نُكبِّرْه بالتَّوسعةِ في اللُّغاتِ وغريبِ الكلامِ) [339] ((الفصيح)) لثعلب (ص: 323). .
فسَبَبُ تأليفِ الكتابِ: ذِكرُ الفصيحِ من كلامِ العَرَبِ ممَّا يدورُ على ألسنةِ النَّاسِ؛ فسبَبُ تأليفِه كسَبَبِ وضعِ تآليفِ لحنِ العوامِّ، أي: ضَبطُ اللِّسانِ من اللَّحنِ.
وسَبَبُ تسميةِ الكتابِ باسمِ "الفصيحِ" يتَّصِلُ بسببِ تأليفِه؛ ذلك أنَّه وُضِع لاختيارِ الفصيحِ من الألفاظِ.
وموضوعُ الكتابِ: ذِكرُ الأخطاءِ التي تقعُ فيها العامَّةُ، وذِكرُ صوابِها، وذِكرُ اللُّغةِ الفُصحى من اللُّغاتِ التي تدورُ على الألسِنةِ.
أمَّا منهجُ ثَعلَبٍ في كتابِه فهو كالآتي:
1- يختار ثَعلَبٌ الفصيحَ من الكلامِ على ثلاثةِ أنحاءٍ؛ هي:
النَّحوُ الأوَّلُ: ما كان النَّاسُ يتكلَّمون به من لغةٍ هي خطأٌ، فيذكُرُها ويذكُرُ صوابَها.
النَّحوُ الثَّاني: أن يكونَ اللَّفظُ فيه أكثرُ من لغةٍ، فيختارَ أفصَحَ اللُّغاتِ.
النَّحوُ الثَّالثُ: أن يكونَ اللَّفظُ فيه لغتانِ على مستوًى واحدٍ من الفصاحةِ وكثرةِ الاستعمالِ، فيذكُرَ اللُّغتينِ.
2- ويُقَسِّمُ ثَعلَبٌ كتابَه قسمينِ، كما يبدو للمُتأمِّلِ في موضوعاتِ الكتابِ:
قسمٌ خاصٌّ بالأفعالِ؛ يبدأُ بـ(باب: "فعَلْتُ" بفتحِ العينِ)، وينتهي بـ(باب: ما يُهمَزُ من الفعلِ).
قسمٌ خاصٌّ بالأسماءِ؛ يبدأُ بـ(باب: من المصادِرِ)، وينتهي بنهايةِ الكتابِ.
3- اعتمَد ثَعلَبٌ أسلوبَ الاختصارِ والإيجازِ في كتابِه، ولعَلَّ هذا راجعٌ إلى الفئةِ التي يستهدِفُها من كتابِه؛ فهو لم يضَعْ كتابَه ليكونَ مرجعًا، بل وضعه -كما قال- ليكونَ سهلًا يسيرًا للمتعلِّمينَ، ومن ثَمَّ فلم يتوسَّعْ بذكرِ اللُّغاتِ الكثيرةِ الواردةِ في الألفاظِ، كما جاءت شواهدُه على قدرِ الحاجةِ إليها، والدَّليلُ على ذلك القصَّةُ التي وردت في معجَمِ الأدَباءِ؛ حيث قال ثَعلَبٌ: (دخلتُ على يعقوبَ بنِ السِّكِّيتِ، وهو يعمَلُ "إصلاح المنطِق"، فقال: يا أبا العبَّاسِ، رغِبتَ عن كتابي، فقُلتُ له: كتابُك كبيرٌ، وأنا عَمِلتُ الفصيحَ للصِّبيانِ) [340] يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (1/ 227). ، فقولُه: (للصِّبيانِ) يدُلُّ -بلا شكٍّ- على أنَّ قصْدَ الكتابِ الاختصارُ والإيجازُ؛ ليَسهُلَ حِفظُه ودراستُه للمتعلِّمينَ المبتَدِئينَ [341]  يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (1/ 56). .

انظر أيضا: