موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ التَّاسِعُ: خَصائِصُ المَدرَسةِ وعُيوبُها


ضمَّت هذه المَدرَسةُ مُعجَماتٍ كَبيرةً؛ هي: الصِّحاحُ، والعُبابُ، واللِّسانُ، والقاموسُ، والتَّاجُ، ولَقِيتْ مِنَ الشُّهرةِ ما لم تَلْقَه مَدرَسةٌ أخرى في تارِيخِ المَعاجِمِ العَربيَّةِ.
وتَشترِكُ مُعجَماتُ هذه المَدرَسةِ في أساسِ التَّقْسيمِ الَّذي لم يَتغيَّرْ ولم يَتطوَّرْ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها. واعْتَمد هذا الأساسُ على تَقْسيمِ المُعجَمِ كلِّه إلى أبْوابٍ وَفقًا للحَرْفِ الأخيرِ مِنَ الكَلِمةِ، وتَقْسيمِ كلِّ بابٍ إلى فُصولٍ وَفقًا للحَرْفِ الأوَّلِ، وتَرْتيبِ المَوادِّ في هذه الفُصولِ وَفقًا لحُروفِها الوُسْطى باعْتِبارِ الحُروفِ الأُصولِ وحدَها في جَميعِ هذه المَراحِلِ.
وتَشْترِكُ جَميعُها في إفْرادِ بابٍ واحِدٍ للكَلِماتِ الَّتي آخِرُها الواوُ والياءُ، ثمَّ تَقْديمِ الواوِ على الهاءِ في الفُصولِ؛ حتَّى يُمكِنَ فَصْلُ اللَّفيفِ الَّذي وسَطُه الواوُ عنِ اللَّفيفِ اليائيِّ الوَسَطِ.
وتَفْترِقُ فيما عدا ذلك؛ إذْ يَلْتزِمُ الصِّحاحُ الألْفاظَ الصَّحيحةَ وحدَها، وتَغلِبُ عليه الصِّبغةُ النَّحْويَّةُ والصَّرفيَّةُ. وتَغلِبُ على العُبابِ الصِّيَغةُ الأدَبيَّةُ والعِنايةُ بالشَّواهِدِ الشِّعريَّةِ. ويَلتزِمُ القاموسُ الاخْتِصارَ والاسْتِقْصاءَ، وتَغلِبُ عليه الصِّبغةُ الطِّبيَّةُ، ويُكثِرُ مِنَ الأعْلامِ؛ خاصَّةً أعْلامَ المُحدِّثين والأماكِنَ والمُصْطلَحاتِ. ويَغلِبُ على اللِّسانِ والتَّاجِ الإسْهابُ والإطْنابُ، معَ اقْتِصارِ الأوَّلِ على المَوادِّ اللُّغويَّةِ تَقْريبًا، وانْفِساحِ رُقعةِ الثَّاني إلى ما ضمَّه أصْلُه القاموسُ وما زادَه هو؛ فالتَّاجُ خَليطٌ مِن دَوائِرِ المَعارِفِ والمُعجَماتِ اللُّغويَّةِ.
ويؤُخَذُ على هذه المَدرَسةِ عدَّةُ أمورٍ تَرْتبطُ بالمَنهَجِ الَّذي سارت عليه في التَّقْسيمِ وتَرْتيبِ المَوادِّ، وإن كان أساسُ التَّقْسيمِ عندَها أيسرَ ممَّا كان عند المَدْرستَين السَّابِقتَين، إلَّا أنَّه لا يَزالُ يَحْتفِظُ بشيءٍ مِنَ الصُّعوبةِ الَّتي جعَلَتْهم أو أفْرادًا منهم يَضْطَربون في تَرْتيبِ بعضِ المَوادِّ. ومِن أهمِّ تلك المَآخِذِ:
- أنَّ النَّظرَ في آخِرِ الكَلِمةِ، ثمَّ في أوَّلِ الكَلِمةِ، ثمَّ وسَطِها؛ فيه تَشْتيتٌ للذِّهنِ؛ إذْ يَنظُرُ مِن عدَّةِ وُجوهٍ، وأيْسَرُ منه التَّرْتيبُ مِن وَجْهٍ واحِدٍ؛ إمَّا مِنَ الأوَّلِ مُتدرِّجًا إلى الأخيرِ، أو مِنَ الأخيرِ مُتدرِّجًا إلى الأوَّلِ، والتَّرْتيبُ الأوَّلُ منها أيْسَرُ؛ لأُلْفةِ النَّفْسِ إيَّاه.
ويَسهُلُ هذا التَّرْتيبُ في الثُّلاثيِّ، ولكنَّه يَعثُرُ قَليلًا في الرُّباعيِّ والخُماسيِّ؛ حتَّى اخْتَلف فيهما أفْرادُ هذه المَدرَسةِ؛ فقد ذهَب الجَوهَريُّ إلى تَقْديمِ الثُّلاثيِّ على الرُّباعيِّ؛ لأنَّه نظَر إلى آخِرِها فأوَّلِها فثانيها، فانْتَهتْ حُروفُ الألْفاظِ الثُّلاثيَّةِ عند ذلك، فأثْبَتَها وبَقِي حَرْفٌ مَكانَ الرُّباعيَّاتِ فأخَّرَها. ولكنَّنا حينَ نَنظُرُ إلى هذا الحَرْفِ نَجِدُه يَسبِقُ ما يُقابِلُه مِنَ الرُّباعيِّ، فنُحِسُّ بنَوعٍ مِنَ الاضْطِراباتِ أوِ الغَرابةِ على الأقلِّ. وقد حاولَ الفَيرُوزاباديُّ أنْ يَتَلافى ذلك؛ فرتَّبها بحسَبِ حُروفِها كلِّها، فقدَّم هذا النَّوعَ مِنَ الرُّباعيِّ على الثُّلاثيِّ. لكنَّهما وغيرَهما لم يَسْتطيعا التَّحرُّزَ مِنَ الخَطأِ في هذا النَّوعِ، فخلَطوا فيه كَثيرًا وقدَّموا ما حقُّه التَّأخيرُ، وأخَّروا ما حقُّه التَّقْديمُ [204] يُنظر: ((المُعجَم العَربيُّ نشأته وتطوره)) لحسين نصار (2/546). .

انظر أيضا: