موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ التَّاسِعُ: خَصائِصُ هذه المَدرَسةِ وعُيوبُها


يَربِطُ بَيْنَ مَعاجِمِ هذه المَدرَسةِ عِدَّةُ رَوابِطَ، تَتمثَّلُ في: تَرْتيبِ حُروفِ الهِجاءِ بحسَبِ المَخارِجِ، وجَعْلِ هذا التَّرْتيبِ هو أساسَ تَقْسيمِها إلى كُتُبٍ، ثمَّ تَقْسيمِ هذه الكُتُبِ إلى أبْوابٍ تبَعًا للأبْنِيةِ، ثمَّ مَلءِ هذه الأبْوابِ بالتَّقالِيبِ.
وقدِ الْتَزمتْ هذه المَعاجِمُ تَرْتيبًا واحِدًا، وهو التَّرْتيبُ الَّذي وضَعه الخَليلُ بنُ أحْمَدَ، ولم يَشِذَّ عن هذا التَّرْتيبِ إلَّا القاليُّ في كِتابِه (البارِع)؛ فإنَّه سار على تَرْتيبٍ مُختَلِفٍ، أخَذ أغْلَبَه مِن تَرْتيبِ سِيبَوَيهِ، معَ خَلْطِه بأشياءَ مِن تَرْتيبِ كِتابِ العَينِ.
ومِنَ الطَّبيعيِّ ألَّا تَتَّحِدَ هذه الكُتُبُ جَميعًا في كلِّ شيءٍ، بلِ اخْتَلفتْ في كَثيرٍ مِنَ الوُجوهِ، وتَطوَّرتِ الأمورُ الَّتي اشْتركتْ فيها بَيْنَ الكِتابِ الأوَّلِ والأخيرِ، فحاوَلَ المُتأخِّرُ منها أنْ يَتخلَّصَ ممَّا وقَع فيه سابِقُه مِن عُيوبٍ.
وبذلك اخْتَلفتْ أهْدافُهم الَّتي سعَوا إليها مِن خِلالِ مَعاجِمِهم؛ فقد كان هَدَفُ الخَليلِ حَصْرَ اللُّغةِ واسْتِقْصاءَ الواضِحِ والغَريبِ منها، وهَدَفَ الأزْهَريُّ إلى تَهْذيبِ اللُّغةِ وتَخْليصِها مِنَ الغَلَطِ والتَّصْحيفِ الَّذي وقَع فيه مَنْ سبَقه، وهدَف ابنُ سِيدَه إلى جَمْعِ المُشتَّتِ في الكُتُبِ المُتفرِّقةِ، وتَصْحيحِ ما فيها مِن أخْطاءٍ في التَّفْسيراتِ النَّحْويَّةِ. ويَبْدو أنَّ هَدَفَ القاليِّ يُشبِهُ هَدَفَ الأزْهَريِّ، وأنَّ هَدَفَ الصَّاحِبِ بنِ عَبَّادٍ اسْتِدراكُ ما فات سابِقَه مِن غَريبٍ.
وقد كان في كلِّ مُعجَمٍ مِن هذه المُعجَماتِ مِيزةٌ خاصَّةٌ به؛ فقد تَميَّز العَينُ بأوَّلِيَّتِه، وتَميَّز البارِعُ بالضَّبْطِ والصِّحَّةِ، وتَميَّز تَهْذيبُ اللُّغةِ بالجَمْعِ والمَعارِفِ الدِّينيَّةِ، وتَميَّز المُحيطُ بالغَريبِ والاخْتِصارِ، وتميَّز المُحكَمُ والمُحيطُ الأعْظَمُ بالتَّنْظيمِ والمَسائِلِ النَّحْويَّةِ والصَّرفيَّةِ، وهو أحْسَنُها تَرْتيبًا لأبْوابِه ومَوادِّه وألْفاظِه في داخِلِها، وأجْمَلُها مَنهَجًا نَظَريًّا.
إلَّا أنَّ هذه المَدرَسةَ لم تَسلَمْ مِنَ المَآخِذِ الَّتي أُخِذتْ عليها، ومِن هذه المَآخِذِ:
1ـ صُعوبةُ البَحْثِ في مَعاجِمِها، ومَشقَّةُ الاهْتِداءِ إلى اللَّفظِ المُرادِ، واسْتِنفادُ الوقتِ الطَّويلِ في البَحْثِ؛ بسَببِ التَّرْتيبِ المَخْرجيِّ والأبْنِيةِ والتَّقالِيبِ.
ولعلَّ هذه الصُّعوبةَ هي الَّتي ساعَدتْ على قِيامِ المَدارِسِ اللَّاحِقةِ؛ إذْ رأى العُلَماءُ أنَّه يَجِبُ عليهم أنْ يُيَسِّروا البَحْثَ في المُعجَمِ، ويُمهِّدوا طَريقَ العِلمِ.
2ـ الاضْطِرابُ في حُروفِ العِلَّةِ والهَمْزةِ، وبابَيِ اللَّفيفِ والثُّنائيِّ والمُضاعَفِ؛ فقد لَقِيتْ هذه المَدرَسةُ مِن حَرْفِ العِلَّةِ والهَمْزةِ عَنَتًا شَديدًا؛ بسَببِ جَمْعِها كلِّها في مَوضِعٍ واحِدٍ، وحارت فيها بَيْنَ خَلْطٍ واضْطِرابٍ، وبَيْنَ فَصْلٍ وتَمْييزٍ، ولم تُحسِنِ الكُتُبُ الأُولى تَصْويرَ بابَيِ اللَّفيفِ والثُّنائيِّ المُضعَّفِ؛ فأدْخَلتْ فيها كَثيرًا مِنَ الصِّيَغِ الَّتي لا تَنْدرِجُ تحتَها أوِ الَّتي مِنَ اليَسيرِ وَضْعُها في أبْوابٍ خاصَّةٍ [129] يُنظر: ((المُعجَم العَربيُّ نشأته وتطوره)) لحسين نصار (1/304). .

انظر أيضا: