موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: أصْلُ فِكْرَةِ التَّقْليباتِ


أرادَ الخَليلُ أنْ يَحصُرَ اللُّغةَ -كما حصَر العَروضَ- حَصْرًا عِلميًّا [62] يُنظر: ((مقدمة الصحاح)) للعطار (ص:96). ، فلاحَظَ أنَّ الكَلِماتِ العَربيَّةَ تأتي ثُنائيَّةً وثُلاثيَّةً ورُباعيَّةً وخُماسيَّةً، لا تَقِلُّ عن ذلك أبدًا، ولا تَزيدُ البتَّةَ إلَّا بحُروفٍ زَوائِدَ لا دَخْلَ لها في المَعْنى الأصْليِّ، فإذا أمْكَن تَقْليبُ أماكِنِ الحُروفِ في الكَلِمةِ الواحِدةِ على جَميعِ الأوجُهِ المُمكِنةِ نتَج عن ذلك مُعجَمٌ يَضُمُّ جَميعَ كَلِماتِ اللُّغةِ مِنَ النَّاحيةِ النَّظريَّةِ.
ولكنْ لا تُوجَدُ لُغةٌ تَسْتخدِمُ جَميعَ إمْكانيَّاتِها النَّظريَّةِ؛ ولِهذا كان لا بدَّ للخَليلِ بعد الإحْصاءِ النَّظَريِّ أنْ يُميِّزَ بَيْنَ المُسْتعمَلِ مِن هذه الصُّوَرِ والمُهمَلِ.
يقول الخَليلُ: (اعْلَمْ أنَّ الكَلِمةَ الثُّنائيَّةَ تَتَصرَّفُ على وَجْهَين، نَحْوُ: (قد، دق)، (شد، دش)، والكَلِمةَ الثُّلاثيَّةَ تَتَصرَّفُ على سِتَّةِ أوجُهٍ، وتُسمَّى مَسْدوسةً، وهي نَحْوُ: (ضرب، ضبر، برض، بضر، رضب، ربض)، والكَلِمةَ الرُّباعيَّةَ تَتَصرَّفُ على أرْبعَةٍ وعِشرينَ وَجْهًا؛ وذلك أنَّ حُروفَها وهي أرْبعةُ أحْرُفٍ تُضرَبُ في وُجوهِ الثُّلاثيِّ الصَّحيحِ، وهي سِتَّةُ أوجُهٍ فتَصيرُ أرْبَعةً وعِشرينَ وَجْهًا، يُكتَبُ مُسْتعمَلُها ويُلْغَى مُهمَلُها، وذلك نَحْوُ: "عَبْقَر"؛ تقولُ منه: (عقرب، عبرق، عقبر، عبقر، عرقب، عربق، قعرب، قبعر، قبرع، قرعب، قربع، رعقب، رعبق، رقعب، رقبع، ربقع، ربعق، بعقر، بعرق، بقعر، بقرع، برعق، برقع)، والكَلِمةَ الخُماسيَّةَ تَتَصرَّفُ على مِائةٍ وعِشرينَ وَجْهًا، وذلك أنَّ حُروفَها -وهي خَمْسَةُ أحْرُفٍ- تُضرَبُ في وُجوهِ الرُّباعيِّ، وهي أرْبَعةٌ وعِشرونَ حَرْفًا فتَصيرُ مِائةً وعِشرينَ وَجْهًا، يُستَعمَلُ أقلُّه ويُلْغَى أكْثَرُه) [63] ((العَين)) (1/ 59). .
وبِهذا اسْتَطاع الخَليلُ حَصْرَ كَلِماتِ اللُّغةِ على غيرِ مِثالٍ سابِقٍ [64] يُنظر: ((البَحْث اللُّغويُّ عند العَرب)) لأحمد مختار عمر (ص:179)، ((المُعجَم العَربيُّ: نشأته وتطوره)) لحسين نصار (1/174). .

انظر أيضا: