موسوعة اللغة العربية

مَطلَبٌ: مُعجَمُ (المُخصَّصِ) نَموذَجٌ لمَعاجِمِ المَوضوعاتِ


ومِن أهمِّ تلك المُعجَماتِ الكَبيرةِ الَّتي قُسِّمتْ حسَبَ المَوضوعاتِ مُعجَمُ ((المُخصَّص)) لابنِ سِيدَه؛ فقد كان هذا الكِتابُ خاتِمةَ المَطافِ في تَأليفِ هذا النَّوعِ مِنَ الكُتُبِ ذاتِ المَوضوعاتِ المُتعدِّدةِ.
وقد سار ابنُ سِيدَه في كِتابِه هذا على نَهْجِ كِتابِ ((الغَريب المُصنَّف)) لأبي عُبَيدٍ في كَثيرٍ مِنَ الأحْيانِ، وذلك في تَقْسيمِ الكُتُبِ والأبْوابِ والفُصولِ، ثمَّ أدْخَل بعضَ الأبْوابِ الَّتي لم يَتعرَّضْ لها سابِقُه، وحشا الأبْوابَ المُشترَكةَ بَيْنَهما بما أغْفَله أبو عُبَيدٍ، وأخَذ هذه المَوادَّ الزَّائِدةَ مِنَ الكُتُبِ الَّتي أُلِّفتْ بعد أبي عُبَيدٍ، والَّتي لم يَطَّلِعْ عليها.
وكان ابنُ سِيدَه يُنقِّبُ في كلِّ مَوضوعٍ مِن مَوضوعاتِه عن أحْسَنِ كِتابٍ أو كُتُبٍ أُلِّفتْ في هذا المَوضوعِ، وأغْزَرِها مادَّةً، ثمَّ يَجعَلُها عِمادَه، ويُكمِلُها بما يَعثُرُ عليه في الكُتُبِ الأخرى.
وقد تَناوَلَ ابنُ سِيدَه في كِتابِه مَوضوعاتٍ شَتَّى، منها ما جاء تَرْتيبُها في كِتابِه على النَّحْوِ الآتي:
- خَلْقُ الإنْسانِ: ذكَر فيه أوصافَ ومَراحِلَ خَلْقِ الإنْسانِ، وذكَر كلَّ عُضْوٍ مِن أعْضاءِ الإنْسانِ، وصِفاتِه وعُيوبَه.
- الغَرائِزُ: وذكَر فيها صِفاتِ الإنْسانِ المَحْمودةَ؛ كالعَقْلِ والشَّجاعةِ والكَرَمِ، والمَذْمومةَ؛ كالتَّهوُّرِ والجَهْلِ والجَفاءِ وسُوءِ الخُلُقِ.
- النِّساءُ: اسْتَقْصى فيه صِفاتِ النِّساءِ ونُعوتَهنَّ الحَسَنةَ والذَّميمةَ، وما يُمدَحُ أو يُعابُ في وَصْفِ كلِّ عُضْوٍ منْهنَّ، والوِلادةَ، والجِماعَ، والنِّساءَ الَّتي لا تَلِدُ، وأخْبارَ بعضِهنَّ، ونحوًا مِن ذلك.
- اللِّباسُ: ذكَر فيه أصْنافَ اللِّباسِ؛ الرَّقيقَ منها والكَثيفَ، وأنْواعَه، وأشْكالَه، وألْوانَه.
- الطَّعامُ: جمَع فيه أسْماءَ الطَّعامِ قبل أوقاتِه وبعدَها، وأسْماءَ عامَّةِ الطَّعامِ، وأسْماءَ آلاتِ الأكْلِ وطَبْخِ القُدورِ وعِلاجِها...
- الأمْراضُ: تَناوَل فيه أوجاعَ كلِّ مَنْطقةٍ في جَسَدِ الإنْسانِ على التَّفْصيلِ؛ أعْراضَ المَرَضِ، وأسْبابَه، وطُرقَ عِلاجِه...
وقد تَناوَل ابنُ سِيدَه في مُخصَّصِه بعضَ القَضايا اللُّغويَّةِ؛ مِن أبْرَزِها:
1- التَّضادُّ:
ذهَب ابنُ سِيدَه إلى إثْباتِ التَّضادِّ، وردَّ على مَنْ أنْكَره، فقال ابنُ سِيدَه: (فأمَّا الَّتي تدُلُّ على كَمِّيتَين مُختَلِفتَين مُنْفصِلتَين أو مُتَّصِلتَين؛ كالبَشَرِ الَّذي يَقعُ على ‌العَددِ ‌القَليلِ والكَثيرِ، والجَلَلِ الَّذي يَقعُ على العَظيمِ والصَّغيرِ، واللَّفظةُ الَّتي تدُلُّ على كَيفيَّتَين مُتَضادَّتَين؛ كالنَّهَلِ الواقِعِ على العَطَشِ والرِّيِّ، واللَّفظةُ الدَّالَّةُ على كَيفياتٍ مُختَلِفةٍ؛ كالجَونِ الواقِعِ على السَّوادِ والبَياضِ والحُمْرَةِ، وكالسَّدْفةِ المَقولةِ على الظُّلْمةِ والنُّورِ وما بَيْنَهما مِنَ الاخْتِلاطِ، فسآتي على جَميعِها مُسْتَقصًى في فَصْلِ الأضْدادِ مِن هذا الكِتابِ، مُثْبِتًا غيرَ جاحِدٍ، ومُضْطرًّا إلى الإقْرارِ به على كلِّ نافٍ مُعانِدٍ، ومُبرِّئًا للحُكماءِ المُتواطِئين على اللُّغةِ أوِ المُلهَمين إليها مِنَ التَّفْريطِ، ومُنَزِّهًا لهم عن رَأيِ مَنْ وسَمَهم في ذلك بالذَّهابِ إلى الإلْباسِ والتَّخْليطِ) [27] ((المخصص)) لابن سِيدَه (1/33). .
2- التَّرادُفُ:
أثْبَتَ كذلك التَّرادُفَ في الألْفاظِ العَربيَّةِ، خِلافًا لمَنْ زعَم عَدَمَ ذلك، قال: (وكذلك أقولُ على الأسْماءِ ‌المُترادِفةِ الَّتي لا يَتكثَّرُ بها نَوعٌ، ولا يَحدُثُ عن كَثْرتِها طَبْعٌ، كقَولِنا في الحِجارةِ: حَجَرٌ وصَفاةٌ ونَقَلَةٌ، وفي الطَّويلِ: طَويلٌ وسَلِبٌ وشَرحَبٌ) [28] ((المخصص)) لابن سِيدَه (1/34). .
3- المُشترَكُ اللَّفظيُّ:
وتَحدَّث عنِ المُشترَكِ اللَّفظيِّ؛ فقال: (وعلى ‌الأسْماءِ ‌المُشترَكةِ الَّتي تَقعُ على عدَّةِ أنْواعٍ؛ كالعَينِ المَقولةِ على حاسَّةِ البَصَرِ، وعلى نفْسِ الشَّيءِ، وعلى الرَّبيئةِ، وعلى جَوهَرِ الذَّهَبِ، وعلى يَنْبوعِ الماءِ، وعلى المَطَرِ الدَّائِمِ، وعلى حُرِّ المَتاعِ، وعلى حَقيقةِ القِبْلةِ، وغيرِ ذلك مِنَ الأنْواعِ المَقولةِ عليها هذه اللَّفظةُ، ومِثلُ هذا الاسمِ مُشترَكٌ كَثيرٌ، وكلُّ ذلك ستَراه واضِحًا أمرُه مُبيَّنًا عُذرُه في مَوضِعِه إن شاء اللهُ) [29] ((المخصص)) لابن سِيدَه (1/34). .
4- أصْلُ اللُّغةِ:
اسْتَطرد ابنُ سِيدَه في أصْلِ اللُّغةِ، وتَناوَل نَظريَّاتِ اللُّغويِّين حول نَشْأةِ اللُّغةِ وأصْلِها، وانْتَهى بما دعَّم به قولَه مِنَ الأدِلَّةِ إلى أنَّ اللُّغةَ تَوقيفٌ مِنَ اللهِ تعالى، وأنَّها وَحْيٌ؛ قال: (وقد أدَمْتُ التَّنْقيرَ والبَحْثَ معَ ذلك عن هذا المَوضِعِ، فوجَدتُ الدَّواعيَ والخَوالِجَ قَويَّةَ التَّجاذُبِ لي مُختَلِفةَ جِهاتِ التَّغوُّلِ على فِكري؛ وذلك لأنَّا إذا تَأمَّلْنا حالَ هذه اللُّغةِ الشَّريفةِ، الكَريمةِ اللَّطيفةِ، وجَدْنا فيها مِنَ الحِكمَةِ والدِّقَّةِ، والإرْهافِ والرِّقَّةِ، ما يَملِكُ علينا جانِبَ الفِكرِ، حتَّى يَطمَحَ بنا أمامَ غَلوةِ السِّحرِ، فمنه ما نبَّه عليه الأوائِلُ مِنَ النَّحْويِّين، وحذَاه على أمْثِلتِهم المُتأخِّرون، فعرَفْنا بتَبيُّنِه وانْقِيادِه، وبُعدِ مَراميه وآمادِه، صِحَّةَ ما وُفِّقوا لتَقْديمِه منه، ولُطفَ ما أسْعَدوا به، وفُرِقَ لهم عنه، وانْضافَ إلى ذلك وارِدُ الأخْبارِ المَأثورةِ بأنَّها مِن عندِ اللهِ تَبارك وتَعالى، فقَوِي في أنْفُسِنا اعْتِقادُ كَونِها تَوقيفًا مِن اللهِ تعالى وأنَّها وَحْيٌ) [30] ((المخصص)) لابن سِيدَه (1/35). .
ولِهذا وغيرِه يُعَدُّ مُعجَمُ (المُخصَّص) رائِدَ المُعجَماتِ المَوضوعيَّةِ الكامِلةِ [31] يُنظر: ((المُعجَمات العَربيَّة مَوضوعات وألْفاظ) لفوزي الهابط (ص: 70). .

انظر أيضا: