موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: مُعجَمُ المَوضوعاتِ أوِ المَعاني أوِ المُعجَمُ المُبَوَّبُ


وهذا النَّوعُ لم يُراعِ فيه العُلَماءُ تَرْتيبًا مُعيَّنًا لألْفاظِه وَفقَ مَوادِّها اللُّغويَّةِ أو حُروفِها، بل كان التَّرْتيبُ على حسَبِ المَعْنى والمَوضوعاتِ؛ يَجعَلون الألْفاظَ الَّتي تَدورُ حولَ مَوضوعٍ واحِدٍ تحت بابٍ واحِدٍ، يُسمَّى باسمٍ واحِدٍ، مِثلُ ما جمَعه الأصْمَعيُّ والسِّجِسْتانيُّ مِن أسْماءِ الوُحوشِ، والغاباتِ، والشَّجَرِ، والإبِلِ، والسِّلاحِ، والخَيلِ، وغيرِ ذلك.
وكان الهَدَفُ الأساسيُّ من هذا التَّبْويبِ والتَّرْتيبِ جَمْعَ الألْفاظِ الَّتي تَدورُ في فَلَكٍ واحِدٍ، وحولَ مَوضوعٍ واحِدٍ، وكانت هذه الرَّسائِلُ والكُتُبُ الصَّغيرةُ مَصدَرًا أَوَّليًّا للعُلَماءِ الَّذين صَنَّفوا في مَعاجِمِ الألْفاظِ.
ومِن هذه الرَّسائِلِ: الرَّسائلُ الَّتي أُلِّفتْ في الحَشَراتِ، وأوَّلُ مَنْ أَلَّف فيها: أبو خَيْرةَ الأعْرابيُّ، الَّذي روَى عنه أبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ كِتابَ (الحَشَرات)، ثمَّ أَلَّف أبو عَمْرٍو الشَّيبانيُّ كِتابَ (النَّحْل والعَسَل)، ثمَّ ألَّف أبو عُبَيدةَ كِتابَيِ (الحيَّات)، و(العَقارِب)، وألَّف الأصْمَعيُّ كِتابَ (النَّحْل والعَسَل)، وألَّف ابنُ الأعْرابيِّ كِتابَ (الذُّباب)، وألَّف السِّجِسْتانيُّ كِتابَ (الحَشَرات) و(الجَراد) و(النَّحْل والعَسَل)، وألَّف الأخْفَشُ الأصْغَرُ كِتابَ (الجَراد).
وكذلك أيضًا الكُتُبُ الَّتي أُلِّفتْ في الخَيلِ، وأوَّلُ مَنْ عُرِف مِن مُؤلِّفي الخَيلِ: أبو مالِكٍ عَمْرُو بنُ كِرْكِرةَ، ثمَّ ألَّف فيما تحت اسمِ (الخَيل أو خَلْق الفَرَس) النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ، وأبو المُنْذِرِ هِشامُ بنُ مَحمَّدٍ الكَلْبيُّ، وأبو عَمْرٍو الشَّيبانيُّ، وقُطْرُبٌ، وأبو عُبَيدةَ الَّذي ألَّف ثَلاثةَ كُتُبٍ في الخَيلِ وأسْمائِها وحُضْرِها، وألَّف الأصْمَعيُّ كِتابيِ (الخَيل) و(خَلْق الفَرَس)، وغيرُ ذلك مِنَ الكُتُبِ الَّتي أُلِّفتْ في هذا المَوضوعِ.
ولَجَأ جَميعُ مُؤلِّفي الخَيلِ إلى تَقْسيمِ كُتُبِهم تَقْسيمًا مَوضوعيًّا؛ فبابٌ لأعْضاءِ الخَيلِ، وآخَرُ لِما يُستَحَبُّ فيها، وثالِثٌ لِما يُكرَهُ...إلخ.
وكذلك الأمرُ في الكُتُبِ الَّتي أُلِّفتْ في خَلْقِ الإنْسانِ، مِثلُ الرَّسائِلِ الَّتي ألَّفها أبو مالِكٍ عَمْرُو بنُ كِرْكِرةَ، والنَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ في الجُزءِ الأوَّلِ مِن كِتابِه (الصِّفات)، وألَّف فيه أيضًا قُطْرُبٌ، وأبو عَمْرٍو الشَّيبانيُّ، والمُفضَّلُ بنُ سَلَمةَ، وأبو عُبَيدةَ، والأصْمَعيُّ، وأبو زيدٍ الأنْصاريُّ، وأبو زِيادٍ الكِلابيُّ، وابنُ الأعْرابيِّ، وأبو حاتِمٍ السِّجِسْتانيُّ، وابنُ قُتَيبةَ، وغيرُهم.
والفَرْقُ بَيْنَ هذه المُصنَّفاتِ يَكمُنُ في اتِّساعِ المادَّةِ وقِلَّتِها، وفي طَريقةِ عِلاجِها، لا في تَرْتيبِها.
ولم يبقَ مِن هذه الرَّسائِلِ إلَّا النَّزْرُ اليَسيرُ، وإنَّما بَقِيتِ المَوسوعاتُ الَّتي تَعرَّضَت لها في بعضِ فُصولِها، مِثلُ (الغَريب المُصنَّف) لأبي عُبَيدٍ، و(النَّعَم) المَنْسوبِ لابنِ قُتَيبةَ، و(أدَب الكاتِب) لابنِ قُتَيبَةَ، و(مَبادِئ اللُّغة) للخَطيبِ الإسْكافيِّ، و(فِقْه اللُّغة) للثَّعالِبيِّ، و(كِفاية المُتحفِّظ) لابنِ الأجْدابيِّ [26] يُنظر: ((البَحْث اللُّغويُّ عند العَرب)) لأحمد مختار عمر (ص:175)، ((علم اللُّغة العَربيَّة)) لمحمود فهمي حجازي (ص:113)، ((المُعجَم العَربيُّ نشأته وتطوره)) لحسين نصار (1/100). .

انظر أيضا: