موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: كَلِمةُ (القامُوس)


جاءت هذه الكَلِمةُ مُرادِفةً لكَلِمةِ (المُعجَم)، وهي إطْلاقٌ حَديثٌ يُطلَقُ على أيِّ مُعجَمٍ، سواءٌ أكان بالعَربيَّةِ أم بِغيرِها مِنَ اللُّغاتِ.
والمَعْنى الأصْليُّ لكَلِمةِ قاموسٍ هو قَعْرُ البَحْرِ أو وَسَطُه أو مُعظَمُه. قال أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سَلَّامٍ: (قاموسُ البَحْرِ وهو وَسَطُه؛ وذلك لأنَّه ليس مَوضِعٌ أبْعَدَ غَورًا في البَحْرِ منه) [13] ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (1/426). .
فكَلِمةُ القاموسِ بمَعْنى البَحْرِ الَّذي يدُلُّ على السَّعَةِ والعُمْقِ وشُمولِه وإحاطتِه لِما في بَطْنِه، وكانت هذه الدَّلالةُ مُوحِيةً لبعضِ العُلَماءِ القُدامى؛ فبعضُهم أطلَقَ على مُؤلَّفِه اسمًا مِن أسْماءِ البَحْرِ، أو صِفةً مِن صِفاتِه، مِثلُ إطْلاقِ الصَّاحِبِ بنِ عبَّادٍ على مُعجَمِه اسمَ المُحيطِ، وأطلَقَ ابنُ سِيدَه على مُعجَمِه المُحكَمَ والمُحيطَ الأعْظَمَ، وسمَّى الصَّاغانيُّ مُعجَمَه مَجمَعَ البَحْرَين.
ولم يُطلِقْ أحدٌ لَفْظَ القاموسِ على المُعجَمِ إلى أنْ جاء الفَيْرُوزاباديُّ، فكان أوَّلَ مَنِ اسْتَخدَم هذا الاسمَ، فسمَّى مُعجَمَه القاموسَ المُحيطَ؛ وَصْفًا لمُعجَمِه بأنَّه بَحْرٌ واسِعٌ؛ فقد قال: (وسمَّيتُه القاموسَ المُحيطَ؛ ‌لأنَّه ‌البَحْرُ الأعْظَمُ) [14] ((القاموس المحيط)) للفَيرُوزاباديِّ (ص:27). .
وقد اشتَهر القاموسُ المُحيطُ، وتَردَّد صَدى اسمِه في آذانِ النَّاسِ، وسار بحَديثِه الرُّكبانُ، وكُتِب له مِنَ القَبولِ عند العُلَماءِ وطَلبَةِ العِلمِ ما لم يُكتَبْ لغيرِه، وبمُرورِ الوقتِ، ومعَ كَثْرةِ تَردُّدِ اسمِ هذا المُعجَمِ على ألْسِنةِ الباحِثين ظنَّ بعضُهم أنَّه مُرادِفٌ لكَلِمةِ مُعجَمٍ، فاسْتَعمَلَه بِهذا المَعْنى، وشاع هذا الاسْتِعمالُ، وصار يُطلَقُ لَفْظُ القاموسِ على أيِّ مُعجَمٍ، وظلَّ هذا اللَّفظُ مَحَلَّ خِلافٍ بَيْنَ العُلَماءِ؛ فمِن مُهاجِمٍ له، ومِن مُدافِعٍ عنه، حتَّى أقرَّ مَجْمَعُ اللُّغةِ العَربيَّةِ هذا الاسْتِخدامَ، وذكَره ضِمْنَ مَعاني كَلِمةِ "قاموسٍ" في مُعجَمِه المُسمَّى بالمُعجَمِ الوَسيطِ، وعدَّ إطْلاقَ لَفْظِ "القاموسِ" على أيِّ مُعجَمٍ مِن قَبيلِ المَجازِ أوِ التَّوسُّعِ في الاسْتِخدامِ [15] يُنظر: ((المُعجَم الوسيط)) لمجمع اللُّغة العَربيَّة بالقاهرة (2/758)، ((المَعاجِم اللُّغويَّة العَربيَّة: بداءتها وتطورها)) د. إميل يعقوب (ص:13 - 15)، ((المُعجَم العَربيُّ: نشأته وتطوره)) لحسين نصار (1/11)، ((البَحْث للغوي عند العَرب)) د. أحمد مختار عمر (ص:173). .

انظر أيضا: