موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّامِنُ: بَيْنَ الرِّسالةِ والخُطْبةِ


تتَّفِقُ الرِّسالةُ مع الخُطْبةِ في أنَّهما فَنٌّ نَثْريٌّ بليغٌ، وكُلٌّ منهما لا يَلحَقُه وَزنٌ ولا تَقْفيةٌ، وقد يتشاكَلانِ أيضًا مِن جِهةِ الألفاظِ والفواصِلِ؛ فألفاظُ الخُطَباءِ تُشبِهُ ألفاظَ الكُتَّابِ في السُّهولةِ والعُذوبةِ، وكذلك فواصِلُ الخُطَبِ مِثلُ فواصِلِ الرَّسائِلِ، إلَّا أنَّ ثمَّةَ فُروقًا تَفصِلُ بَيْنَ الرِّسالةِ والخُطْبةِ؛ منها:
- طبيعةُ كُلٍّ منهما؛ فإنَّ الرِّسالةَ بطَبيعتِها المقروءةِ تختَلِفُ في نَظْمِها وترقيمِها عن الخُطْبةِ المسموعةِ الَّتي لا بُدَّ فيها مِنِ استرسالِ الكَلامِ وعَدَمِ صُعوبتِه بما يُلجِئُ السَّامِعَ إلى التَّفَكُّرِ في معنى اللَّفْظِ بما يُفَوِّتُ عليه إدراكَ ما بَعْدَه.
- أنَّ الخَطابةَ يُشافَهُ بها جَمعٌ مِنَ النَّاسِ؛ فهي من هذا الوَجهِ أَولى باستِعمالِ الألفاظِ السَّهْلةِ التَّناوُلِ للجُمهورِ، مع بَساطةِ المعاني وقِلَّةِ تَركيبِها والإغرابِ فيها.
- يجِبُ في الخُطْبةِ أن تكونَ جُمَلُها شديدةَ الارتِباطِ قَريبةَ التَّآخي، بحَيثُ لا يَحسُنُ فيها تطويلُ الاستِطرادِ، ولا بُعْدُ مُعادِ الضَّمائِرِ والإشاراتِ ونَحْوِها؛ إذ ليس لذِهْنِ سامِعِها مِنَ التَّمَكُّنِ في التَّفَهُّمِ ما لذِهنِ قارِئِ الرِّسالةِ.
- أنَّ السَّجْعَ الَّذي هو فَنٌّ مِن فُنونِ الإنشاءِ لا يَحسُنُ كُلَّ الحُسْنِ في الخَطابةِ، خُصوصًا الخَطابةَ الَّتي تُقالُ لجَماهيرِ النَّاسِ وعامَّتِهم؛ لأنَّ السَّجْعَ لا يخلو عن تكَلُّفِ ألفاظٍ تَحجُبُ ذِهْنَ السَّامِعينَ عن كَمالِ فَهْمِ المعاني، فإنِ اغتُفِرَ فيها السَّجْعُ فإنَّما هو ما يَقَعُ عَفْوًا بلا تكَلُّفٍ، أي السَّجْعُ الَّذي يَطلُبُ المُتكَلِّمَ لا الَّذي يَطلُبُه المُتكَلِّمُ [188] يُنظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 136)، ((أصول الإنشاء والخطابة)) للطاهر بن عاشور (ص: 125). .

انظر أيضا: