موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ السَّابِعُ: كيفيَّةُ إتقانِ الخُطْبةِ


إذا وَجَد الإنسانُ مِن نَفْسِه قُدرةً على التَّعبيرِ، وأحسَّ بمَوهِبةٍ في الخَطابةِ وإقناعِ الجَماهيرِ وجَذْبِ انتِباهِهم إلى حَديثِه، وأراد أن يُنمِّيَ تلك المَوهِبةَ فيه؛ فإنَّ عليه أن يَحرِصَ على ثَلاثةِ أُمورٍ:
1- الإلمامُ بالأُصولِ والقواعِدِ الَّتي تقومُ عليها الخُطْبةُ مِنَ العناصِرِ والشُّروطِ والأُسلوبِ، وغيرِ ذلك مِمَّا ذكَرْناه.
2- الاطِّلاعُ على نماذِجَ بليغةٍ مِنْ خُطَبِ البُلَغاءِ الفُصَحاءِ في الجاهِليَّةِ والإسلامِ والعَصْرِ الحَديثِ.
3- كَثرةُ التَّدَرُّبِ على الخَطابةِ، وتنويعُ الأُسلوبِ، ومُراعاةُ أفهامِ النَّاسِ وأذواقِهم ومُستوى لُغَتِهم؛ فإنَّ اللِّسانَ عُضوٌ إنْ مَرَّنْتَه مَرُنَ؛ كاليَدِ تُخَشِّنُها الممارَسةُ، والبَدَنِ يُقَوِّيه رَفْعُ الحَجَرِ [186] يُنظر: ((فن التحرير العربي)) للشنطي (ص: 226). .
وهذا التَّدَرُّبُ يَحصُلُ بأشياءَ:
- المذاكَرةُ وضَبطُ الغَرَضِ المرادِ التَّكَلُّمِ فيه، وتصَوُّرُ الغايةِ منه، وحُسْنُ فَهْمِه، والإحاطةُ بما ينبغي أن يُقالَ فيه مِنَ المعاني، وترتيبُها على وَجهٍ يَحسُنُ فيه التَّخَلُّصُ مِن فِكرةٍ لأُخرى.
- التَّكريرُ؛ لِتَرسيخِ الأفكارِ والألفاظِ، ومُراجَعةِ ما فات، والتَّنَبُّهِ لِما أخطَأَ فيه أو سها عنه.
- اختيارُ ساعةِ نَشاطِ البالِ؛ فإنَّ العَقْلَ وَقْتَها أنشَطُ وأكثَرُ حُضورًا وتركيزًا، وأقدَرُ على تطويعِ الألفاظِ للمَعاني، وأبعَدُ عن السَّآمةِ والمَلَلِ.
- تقويةُ الذَّاكرةِ، وذلك بتقليلِ الاعتِمادِ على الكِتابةِ، وكَثرةِ الاعتِمادِ على الحافِظةِ، وتَسهيلِ أمْرِ الحِفْظِ بجَعلِ الموضوعِ في عناصِرَ قَليلةٍ يَحسُنُ حِفْظُها والتَّسَلْسُلُ فيها.
- المواظَبةُ: فلا بُدَّ أن يَستَمِرَّ المتدَرِّبُ على ذلك، ولا يَمَلَّ مِن كَثرةِ التَّدَرُّبِ، ولا يهابَ الموقِفَ فيَمتَنِعَ، ولا يكتَرِثَ مِن عَدَمِ الإجادةِ في أوَّلِ الأمرِ [187] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 154). .

انظر أيضا: