موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّالِثُ: أُسلوبُ الخُطْبةِ


لمَّا كان غَرَضُ الخُطْبةِ هو التَّأثيرَ في السَّامِعينَ وإقناعَهم للانفِعالِ معه، كان أُسلوبُ الخُطْبةِ قائِمًا على البراهينِ العَقْليَّةِ والأدِلَّةِ الَّتي تحقِّقُ تلك الغايةَ؛ فأُسلوبُ الخَطابةِ يتمَيَّزُ بالجَمْعِ بَيْنَ تقريرِ الحقائِقِ وإثارةِ العواطِفِ، فيَستخدِمُ الفِكْرَ والوِجدانَ ويَنفُذُ منهما إلى الإرادةِ يَدفَعُ بها إلى عَمَلٍ مِنَ الأعمالِ.
ولهذا فالخَطابةُ تُسَمَّى بالفَنِّ العَمَليِّ، أو الفَنِّ الكامِلِ؛ لجَمْعِه بَيْنَ شَخصِيَّتَيِ الخَطيبِ الحِسِّيَّةِ والمَعْنويَّةِ، ولاسْتِخْدامِه جميعَ المواهِبِ الَّتي تؤثِّرُ في السَّامِعينَ، فيُشيرُ بيَدِه ويُحَرِّكُ جَسدَه، وتدُلُّ تعابيرُ وَجْهِه، فَضْلًا عن قُوَّةِ الصَّوتِ وحُسْنِ الإلقاءِ.
وهذا الأُسلوبُ يتَّسِمُ بعِدَّةِ خَصائِصَ، ومنها:
- الصِّفةُ العامَّةُ للأُسلوبِ الخَطابيِّ هي القُوَّةُ، ومَصْدَرُها الأوَّلُ انفِعالُ الخَطيبِ، وقُوَّةُ عَقيدتِه ويَقينِه بما يقولُ، ثُمَّ تظهَرُ في عباراتِه المسجوعةِ أو المُزدَوجةِ وكَلِماتِه المؤثِّرةِ الجَزْلةِ؛ لِتَكونَ مُوسيقا قَويَّةً على تفاوُتٍ في ذلك.
- التَّكرارُ المَعنويُّ جائِزٌ في الخَطابةِ لِتَثبيتِ الأفكارِ في الأذهانِ، وتمكينِ السَّامِعينَ مِنَ الفَهْمِ، والقُوَّةِ والتَّأثيرِ، ولكِنْ لا بُدَّ من تَغييرِ العِباراتِ.
- تنَوُّعُ طُرُقِ الأداءِ؛ حَيثُ يُستَخدَمُ الأُسلوبُ الخَبَريُّ حِينًا، والإنشائيُّ بأنواعِه مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ والاستِفهامِ وغَيرِها أحيانًا أُخرى؛ فذلك أدعى للتركيزِ ولَفْتِ الانتِباهِ.
- الاعتِمادُ على البراهينِ والأدِلَّةِ لتَعضيدِ الرَّأيِ وبَيانِ صِحَّتِه.
- الاعتِمادُ على القِصَصِ والأخبارِ الَّتي تُساعِدُ على الإقناعِ.
- سُهولةُ العِباراتِ والتَّراكيبِ، والبُعْدُ عن التَّصويراتِ والتَّراكيبِ الَّتي تحتاجُ إلى تفكيرٍ وإعادةِ نَظَرٍ؛ إذ طَبيعةُ الخُطْبةِ المسموعةِ تَقتَضي ذلك، بخِلافِ النَّثْرِ المكتوبِ الَّذي يُتيحُ للقارِئِ مُعاودةَ النَّظَرِ، والمُهلةَ في التَّفكيرِ.
- يَستخدِمُ الخَطيبُ بَدَلًا مِن علاماتِ التَّرقيمِ النَّبْرَ الصَّوتيَّ؛ للدَّلالةِ على النُّقَطِ الهامَّةِ، والانتِقالِ بعِنايةٍ مِن جُزئيَّةٍ لأُخرى، ومِن عُنصُرٍ لآخَرَ.
- يختَلِفُ مُستوى الأداءِ باختِلافِ السَّامِعينَ؛ فهم مِقياسُ مستوى اللُّغةِ ودَرَجتِها، فإذا كانوا مِنَ الخاصَّةِ ارتقى الخِطابُ بدَرَجتِهم، وإن كانوا مِنَ العامَّةِ كان الخِطابُ سَهْلًا بَسيطًا لا ينحَدِرُ إلى الرَّكاكةِ والسُّوقيَّةِ والابتِذالِ [182] يُنظر: ((الأسلوب)) لأحمد الشايب (ص: 117). .

انظر أيضا: