موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ


تتجَلَّى عَبقريَّةُ الأديبِ -كاتبًا أو شاعِرًا- في مدى قُدرتِه على تصويرِ ما يُريدُ وما يخطُرُ له، فيَصوغُها بأُسلوبِه المُمَيَّزِ، يتتَبَّعُ فيه الدَّقائِقَ، ويلاحِقُ التَّفاصيلَ الصَّغيرةَ في المَشهَدِ، كأنَّها لوحةُ رسَّامٍ ماهِرٍ في رَسمِ الطَّبيعةِ السَّاحِرةِ.
والوَصفُ الأدَبيُّ هو الَّذي يتناوَلُ الطَّبيعةَ والإنسانَ، والآثارَ القائِمةَ، والمُنشَآتِ الجَميلةَ، والحوادِثَ الكبيرةَ، وكُلُّ ما يَعِنُّ تسجيلَه باللُّغةِ يعتَمِدُ على الخَيالِ وصِدْقِ التَّعبيرِ. ولا يكونُ الوَصْفُ أدبيًّا حتَّى يقتَرِنَ بعاطِفةِ الشَّاعِرِ الصَّادِقةِ؛ مِنَ الإعجابِ والرَّوعةِ بما يشاهِدُه الأديبُ فيتأثَّرُ به، فيُنشِئُ في وَصفِه وتفسيرِه متأثِّرًا بمِزاجِه ووِجهةِ نَظَرِه، ويخلَعُ عليه من نَفْسِه تفاؤلًا أو تَشاؤمًا، إكبارًا أو ازدِراءً.
والوَصْفُ مِن أهَمِّ فُنونِ النَّثْرِ، كما أنَّه غَرَضٌ من أغراضِ الشِّعْرِ؛ ولهذا تراه داخِلًا في جميعِ الفُنونِ الأُخرى، مِثْلُ المقاماتِ والرَّسائِلِ والخُطَبِ والقِصَصِ، تعتَمِدُ عليه اعتِمادًا كبيرًا، يختَلِفُ باختِلافِ الغَرَضِ؛ إذ وَصْفُ الحِسِّيِّ غَيرُ وَصفِ المَعْنَويِّ، ووَصْفُ الحَربِ يخالِفُ وَصْفَ جمالِ الطَّبيعةِ، ولُغةُ الأصواتِ المُدَوِّيَّةِ تخالِفُ لُغةَ الألوانِ الزَّاهيةِ، بل إنَّ الوَصْفَ أصلُ كُلِّ فَنٍّ؛ فهو في الحَربِ حماسةٌ، وفي الجَمالِ نَسيبٌ، وفي الفَضائِلِ مَديحٌ، وفي الحُزنِ رِثاءٌ [156] يُنظر: ((التحرير الأدبي)) لحسين علي (ص: 177)، ((الأسلوب)) لأحمد الشايب (ص: 90). .

انظر أيضا: