موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الرَّابِعُ: الخِتامُ


يُشتَرَطُ في العَمَلِ الأدَبيِّ أن يحويَ خاتِمةً تختِمُ كَلامَه وتُطَرِّزُه، وينبغي أن تتَعَلَّقَ تلك الخاتِمةُ بشَيءٍ مِن مَوضوعِ الكِتابِ، كما كانت المُقَدِّمةُ كذلك.
قال ابنُ أبي الإصبَعِ: (يجِبُ على الشَّاعِرِ والنَّاثِرِ أن يَخْتِما كَلامَهما بأحسَنِ خاتِمةٍ؛ فإنَّها آخِرُ ما يَبقى في الأسماعِ، ولأنَّها رُبَّما حُفِظت مِن دونِ سائِرِ الكَلامِ في غالِبِ الأحوالِ، فيَجِبُ أن يجتَهِدَ في رَشاقَتِها ونُضْجِها، وحَلاوتِها وجَزالتِها) [133] يُنظر: ((تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر)) لابن أبي الإصبع (ص: 616). .
قال محمَّدٌ الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (وأمَّا حُسْنُ الابتِداءِ والتَّخَلُّصُ والخِتامُ فإنَّما خُصَّت بالبَحْثِ وإن كان جميعُ الكَلامِ مَشروطًا بالحُسْنِ؛ فذلك لأنَّ الإجادةَ فيها أعسَرُ؛ إذ الابتِداءُ هو أوَّلُ ما يَقرَعُ السَّمْعَ، وأوَّلُ ما يَبتَدِئُ به المُتكَلِّمُ، وهو مِفتاحُ الكَلامِ، فإنْ هو أتقَنَه كان إتقانُه مُعينًا على النَّسْجِ على مِنوالِه، كما يُقالُ: (الحَديثُ شُجونٌ)، وكذلك التَّخَلُّصُ مِنَ المُقَدِّمةِ إلى الغَرَضِ؛ فإنَّه يحتاجُ إلى فَضلِ بَراعةٍ في الارتِباطِ بَيْنَهما، وكذلك الخِتامُ؛ لأنَّه يجِبُ أن يكونَ قد استوعب ما تكَلَّم لأجْلِه، حتَّى لا يَثْنيَ إليه عِنانَ الكَلامِ مَرَّةً أُخرى بَعْدَ السُّكوتِ، ولا جَرَمَ أن يكونَ ما يتخَلَّلُ بَيْنَ هذه الثَّلاثةِ رَشيقًا بَليغًا متى سَهُلَت على المُتكَلِّمِ الإجادةُ في هذه الثَّلاثةِ، وهذا هو المرادُ مِنَ التَّأنُّقِ الَّذي حرَّض عليه أئِمَّةُ البَلاغةِ في هاتِه المواضِعِ الثَّلاثةِ) [134] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 104). .
ومِن جَميلِ الخِتامِ ما خَتَم به القاضي الفاضِلُ كِتابَه إلى القاضي ابنِ سَناءِ المُلْكِ، فقال: (وهذا القاضي مَسؤولٌ في أن يتخَوَّلَنا ببدائِعِه، ويُؤَمِّنَنا دُثورَ الفِكْرِ برَوائِعِه، ولا يَضَنَّ علينا بما هو سَهْلٌ عليه من مَنافِعِه، وإلَّا دخل فيمن مَنَع الماعون، وخرج مِنَ الَّذين هم لأماناتِ الفَضيلةِ وعَهْدِها راعون) [135] يُنظر: ((تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر)) لابن أبي الإصبع (ص: 616). .

انظر أيضا: