موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: أحوالُ اللَّفْظِ المُفرَدِ


تنقَسِمُ الألفاظُ بحَسَبِ اهتِمامِ الكاتِبِ بها إلى نَوعَينِ؛ لكُلِّ نوَعٍ منها خصائِصُ وصِفاتٌ لا بُدَّ مِن مُراعاتِها.
أوَّلًا: اللَّفْظةُ المُفرَدةُ
يُشترَطُ في اللَّفْظةِ المُفرَدةِ أن تجمَعَ عِدَّةَ صِفاتٍ، وهي: الفَصاحةُ والصَّراحةُ، والعِزَّةُ والرَّشاقةُ.
فَصاحةُ الكَلِمةِ:
تُوصَفُ الكَلِمةُ المفرَدةُ بأنَّها فَصيحةٌ إذا كانت مركَّبةً مِن حُروفٍ مُنسَجِمةٍ، ليس بَيْنَها تنافُرٌ، وليست الكَلِمةُ بغَريبةٍ عن الأسماعِ، ولا مُخالِفةٍ للُّغةِ والقواعِدِ؛ فشُروطُ فَصاحةِ الكَلِمةِ ألَّا يكونَ فيها:
1- تنافُرُ الحُروفِ.
2- غَرابةُ اللَّفْظِ.
3- مخالَفةُ القياسِ.
4- الكَراهةُ في السَّمْعِ.
أمَّا تنافُرُ حُروفِها فهو أن تتركَّبَ الكَلِمةُ مِن حُروفٍ يَصعُبُ معها النُّطْقُ بالكَلِمةِ، كقَولِ أعرابيٍّ سُئِلَ عن ناقتِه، فقال: "تركْتُها ترعى الهُعْخُع"؛ ففي توالي تلك الحُروفِ الحَلْقيَّةِ تَنافُرٌ شديدٌ؛ إذ لا يكادُ يجتَمِعُ حَرفانِ مِنَ الهاءِ والعَينِ والخاءِ بغَيرِ فَصلٍ بَيْنَهما؛ ولهذا كانت تلك الكَلِمةُ غَيرَ فَصيحةٍ لصعُوبةِ النُّطقِ بها، كما أنَّها غَريبةٌ جِدًّا حتَّى اختَلَف أهلُ اللُّغةِ فيها؛ فقال بَعْضُهم: هي الخُعْخُع. وقيل: العُهْعُخ. وقيل: لا أصْلَ لها ولا معنى. وقال بَعْضُهم: شَجَرةٌ يُتداوى بها وبوَرَقِها.
ومِنَ التَّنافُرِ أيضًا -وإن كان أخَفَّ مِن سابِقِه- قَولُ امرِئِ القَيْسِ [101] الغَدائِرُ: جَمعُ الغَديرةِ: وهي الخَصْلةُ مِنَ الشَّعرِ، الاستِشْزارُ: الارتفاعُ. يقولُ: ذوائِبُها وغدائِرُها مرفوعاتٌ أو مُرتَفِعاتٌ إلى فوقٍ، يُرادُ به شَدُّها على الرَّأسِ بخُيوطٍ، ثمَّ قال: تغيبُ تعاقيصُها في شَعرٍ مُثنًّى وبَعْضُه مُرسَلٌ، أراد به وُفورَ شَعْرِها. والتَّعقيصُ: التَّجعيدُ. يُنظر: ((ديوان امرئ القيس)) (ص: 43، 44). :
غَدائِرُه مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا
تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنًّى وَمُرْسَلِ
فكَلِمةُ "مُسْتَشْزِرات" فيها مِنَ الثِّقَلِ والتَّنافُرِ لتوَسُّطِ الشِّينِ -وهي مَهموسةٌ رِخْوةٌ- بَيْنَ التَّاءِ -وهى مَهموسةٌ شَديدةٌ-، والزَّايِ -وهي مَجْهورةٌ.
والتَّنافُرُ: صِفةٌ في الكَلِمةِ يَنجُمُ عنها ثِقَلُها على اللِّسانِ وصُعوبةُ النُّطقِ بها، ولا ضابِطَ لذلك غَيرُ الذَّوقِ السَّليمِ والشُّعورِ الَّذي ينشَأُ مِن مُزاولةِ أساليبِ البُلَغاءِ، وليس مَنْشَؤُه قُرْبَ مخارِجِ الحُروفِ ولا طولَ الكَلِماتِ؛ فكَلِماتٌ مِثْلُ: (جَيْشٍ، فَمٍ، شَجَرٍ) مُتقارِبةٌ في المَخْرَجِ، ومع ذلك فلا ثِقَلَ فيها، وكَلِمةٌ مِثْلُ: "نُقاخ" بمعنى الماءِ العَذْبِ، ليست مُتقارِبةَ المَخْرَجِ، وفيها مِنَ الصُّعوبةِ والتَّنافُرِ ما فيها، ومِثْلُها: "النَّقْنَقةُ" وهي صَوتُ الضَّفادِعِ.
وأمَّا غَرابةُ الكَلِمةِ: فأن تكونَ غَيرَ مألوفةٍ على الأسماعِ، تحتاجُ إلى البَحْثِ عن معانيها في المعاجِمِ وكُتُبِ اللُّغةِ، كقَولِ بَعْضِ النُّحاةِ: «ما لكم تكَأْكَأْتُم عَلَيَّ تَكَأْكُؤَكم على ذي جِنَّةٍ، افرَنْقِعوا عنِّي» يُريدُ: اجتمَعْتُم حولي كاجتِماعِكم على مجنونٍ، انصَرِفوا عنِّي.
والمقصودُ بغَرابتِها الغَرابةُ عِنْدَ العَرَبِ الخُلَّصِ وأهلِ اللُّغةِ، لا عِنْدَ عوامِّ النَّاسِ، فلو كان المعتَبَرُ في ذلك عُمومَ النَّاسِ، لكان أغلَبُ الكَلامِ غَيرَ فَصيحٍ!
وأمَّا مُخالَفةُ القياسِ فيُقصَدُ به هنا مخالَفةُ القياسِ الصَّرْفيِّ: وذلك بأن يخالِفَ المُتكَلِّمُ قواعِدَ اللُّغةِ والقياسِ فيها، كقَولِ أبي النَّجْمِ الرَّجَز:
الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأَجْلَلِ
أنتَ مَليكُ النَّاسِ رَبًّا فاقْبَلِ
فعَدَمُ الفَصاحةِ هنا في فَكِّ إدغامِ "الأَجْلَلِ"، والقاعِدةُ في مِثلِه أن يُضَعَّفَ، مِثْلُ: الأشَدِّ، الأعزِّ، الأعمِّ، فكان القياسُ فيها: "الأَجَلِّ".
وليست كُلُّ مخالَفةٍ عَدَمَ فَصاحةٍ، بل المخالَفةُ الَّتي يَقِلُّ استِعمالُها هي المُخِلَّةُ بالفَصاحةِ، أمَّا إن كَثُرَ استِعمالُها فلا يَضرُّ ذلك في الفصاحةِ شَيئًا، كقَولِه تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ [المجادلة: 19] ؛ فإنَّ القياسَ فيها: "استحاذ" مِثْلُ: "استقالَ، استعادَ، استَباحَ"، لكنَّه كَثُر استِعمالُها حتَّى لم تَصِرْ مُخِلَّةً بالفَصاحةِ، وأيضًا لَفْظَتا (المَشْرِق والمَغْرِب) بكَسْرِ الرَّاءِ، والقِياسُ فَتْحُها فيهما، وكذا لفْظَتا (المُدْهُن والمُنْخُل) والقياسُ فيهما مِفْعَل بكَسْرِ الميمِ وفَتْحِ العَينِ [102] يُنظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (1/ 64)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 24). .
أمَّا الكَراهةُ في السَّماعِ فهي (كَونُ الكَلِمةِ وَحْشِيَّةً، تأنَفُها الطِّباعُ وتَمُجُّها الأسماعُ، وتَنْبو عنها كما تنبو عن سَماعِ الأصواتِ المُنكَرةِ) [103] يُنظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 24). .
كتب إبراهيمُ بنُ المَهْديِّ إلى كاتبٍ له لَمَّا رآه يَتْبَعُ وَحْشِيَّ الكَلامِ: (إيَّاك وتَتَبُّعَ الوَحْشيِّ طَمَعًا في نَيْلِ البَلاغةِ؛ فإنَّ ذلك العِيُّ الأكبَرُ، وعليك بما سَهُل مع تجنُّبِك ألفاظَ السِّفَلِ) [104] يُنظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (2/ 266). .
ويقولُ ابنُ الأثيرِ: (وقد رأيتُ جماعةً مِنَ الجُهَّالِ إذا قيل لأحَدِهم: إنَّ هذه اللَّفْظةَ حَسَنةٌ، وهذه قَبيحةٌ، أنكَرَ ذلك، وقال: كُلُّ الألفاظِ حَسَنٌ، والواضِعُ لم يضَعْ إلَّا حَسَنًا!
ومن يَبلُغْ جَهْلُه إلى ألَّا يُفَرِّقَ بَيْنَ لَفظةِ «الغُصْنِ» ولَفظةِ «العُسْلُوجِ»، وبَيْنَ لَفظةِ «المُدامةِ» ولَفْظةِ «الإسْفَنْطِ»، وبَيْنَ لَفظةِ «السَّيفِ» ولَفْظةِ «الخَنْشَليلِ»، وبَيْنَ لَفظةِ «الأسَدِ» ولَفْظةِ «الفَدَوْكَسِ»؛ فلا ينبغي أن يُخاطَبَ بخِطاب، ولا يُجاوَبَ بجَواب، بل يُترَكُ وشَأنَه... ومَن له أدنى بَصيرةٍ يَعلَمُ أنَّ للألفاظِ في الأذُنِ نَغْمةً لَذيذةً كنَغْمةِ أوتار، وصَوتًا مُنكَرًا كصَوتِ حِمار، وأنَّ لها في الفَمِ أيضًا حلاوةً كحَلاوةِ العَسَل، ومرارةً كمَرارةِ الحَنْظَل، وهي على ذلك تَجْري مَجْرى النَّغَماتِ والطُّعومِ) [105] يُنظر: ((المثل السائر)) لابن الأثير (1/ 155، 156). .
وقد أفرَدَت كُتُبُ البَلاغةِ مَباحِثَ لبَيانِ فَصاحةِ الكَلِمةِ.
صَراحةُ الكَلِمةِ:
وهي دَلالةُ اللَّفْظِ على كَمالِ المعنى المرادِ؛ بأن يتعَيَّنَ المرادُ منه مِن غَيرِ لَبْسٍ أو غُموضٍ.
وذلك يحصُلُ بأُمورٍ؛ منها:
- توخِّي الألفاظِ الموضوعةِ للمُقَيَّداتِ؛ نَحْوُ: (الخِوانِ) للمائدةِ قَبْلَ أن يوضَعَ عليها الطَّعامُ، و(الصَّباحةِ) للوَجْهِ، و(الوَضاءةِ) للبَشَرةِ، و(اللَّباقةِ) للشَّمائِلِ، و(الرَّشاقةِ) للقَدِّ.
فلا بُدَّ أن يراعِيَ المُتكَلِّمُ تلك القُيودَ، فلا يَستخدِمَ كَلِمةً في غَيرِ ما تقيَّدَت به.
- تجنُّبُ استِعمالِ المُشتَرَكِ اللَّفْظيِّ بدونِ قَرينةٍ تُبَيِّنُ المرادَ منه، وذلك بأن يكونَ للكَلِمةِ أكثَرُ مِن وَجْهٍ، ولا يَستطيعُ القارِئُ أو السَّامِعُ أن يحَدِّدَ المقصودَ منهما، كقَولِ العَجَّاجِ: الرجز
وَمُقْلَةً وَحَاجِبًا مُزَجَّجَا
وَفَاحِمًا وَمَرْسَنًا مُسَرَّجَا [106] (المُقْلةُ: شَحْمةُ العَينِ. والحاجِبُ مَعروفٌ. والمزَجَّجُ: المقوَّسُ مع طُولٍ ودِقَّةٍ في طَرَفِه. والفاحِمُ: الشَّعرُ الأسوَدُ الَّذي لونُه كلَونِ الفَحْمِ. والمَرْسَنُ: الأنْفُ. وصَفَه بكَونِه مُسرَّجًا إمَّا أنَّه كالسَّيفِ السَّريجيِّ في الدِّقَّةِ والاستِواءِ، والسَّريجيُّ نِسبةٌ إلى قَيْنٍ يُسمَّى سَريجًا تُنسَبُ إليه السُّيوفُ، وإمَّا أنَّه كالسِّراجِ في البَريقِ واللَّمَعانِ، أو مِن قَولِهم: سرَّج اللهُ وَجْهَه: إذا بهَّجَه وحسَّنه. فهذا ومِثْلُه ممَّا لا يَقِفُ على معناه إلَّا من عرَف التَّصريفَ وأتقَنَه). يُنظر: ((صبح الأعشى)) للقلقشندي (2/ 226، 227).
فاختُلِفَ في المرادِ مِن "مُسْرَجًا": هل المرادُ منه أنَّه مِن قَولِهم للسُّيوفِ: "سُرَيْجيَّةٌ" يريدُ أنَّ أنْفَه في الاستواءِ والدِّقَّةِ مِثْلُ السَّيفِ، أم المرادُ منه النُّورُ والبَهاءُ، مِن قَولِهم: سرَّج اللهُ وَجْهَه [107] يُنظر: ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للخطيب القزويني (1/ 23)، ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (1/ 61). .
إلَّا أنَّه قد يَعدِلُ المُتكَلِّمُ عن الصَّراحةِ لغَرَضٍ، كالتَّوْريةِ والإخفاءِ والرَّمْزِ، وذلك بقَصْدِ الخُروجِ مِنَ المأزِقِ، نَحْوُ قَولِ ابنِ الجَوزيِّ حينَ سُئِلَ: أيُّهما أفضَلُ: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ أم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ؟ وكان ذلك بحَضْرةِ الشِّيعةِ، فقال: "مَن كانت ابنَتُه تحْتَه"؛ فإنَّه يحتَمِلُ أن يعودَ كَلامُه على أبي بَكرٍ؛ فإنَّ ابنَتَه عائِشةَ تحت النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واحتَمَل أن يعودَ على عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ؛ فإنَّ ابنةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاطِمةَ تحتَه [108] يُنظر: ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (3/ 141)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (12/ 1105). .
عِزَّةُ الكَلِمةِ:
وهي سَلامةُ الكَلِمةِ مِنَ الابتِذالِ، والابتِذالُ يَكونُ من أوجُهٍ:
- نَقْلُ الكَلِمةِ مِن مَعناها إلى معنًى آخَرَ غَيرِ حَسَنٍ، كقَوْلِهم: (بُهْلولٌ) للرَّجُلِ المُغَفَّلِ، وأصلُها في اللُّغةِ: الرَّجُلُ السَّيِّدُ الجامِعُ لصِفاتِ الكَمالِ.
- أن يكونَ معنى الكَلِمةِ سَخيفًا؛ ولهذا يجِبُ على الكاتِبِ أن يَعدِلَ عن تلك الكَلِمةِ إلى استِعمالِ الكناياتِ، كقَولِه تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43] ؛ فإنَّ اللهَ تعالى كنَّى بالمُلامَسةِ عن الجِماعِ.
رشاقةُ الكَلِمةِ:
وهي مُناسَبةُ حالِ اللَّفْظِ لمَقامِ الكَلامِ؛ فإنَّ الألفاظَ منها جَزْلٌ ومنها سَهْلٌ؛ فالجَزْلُ يُستعمَلُ في ذِكْرِ الحُروبِ والحَماسةِ والتَّوبيخِ ونَحْوِها، والسَّهْلُ في مَقامِ الملاطَفةِ والغَزَلِ والمَديحِ؛ ولهذا عِيبَ على جَميلِ بُثَينةَ قَولُه:
ألَا أيُّها النُّوَّامُ ويْحَكُمُ هُبُّوا
أُسَائِلْكُمُ هَلْ يَقتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ؟
فإنَّ كَلِمةَ "هُبُّوا" تُستعمَلُ في الأمرِ الجَلَلِ الكَبيرِ، نَحْوُ الاستِنفارِ للحُروبِ والزَّودِ عن الأعراضِ والأنفُسِ ونَحْوِها، وقد استعمَلَها في وَصْفِ الحُبِّ ومَبلَغِ العِشْقِ بالرَّجُلِ [109] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 93). .
قال ابنُ الأثيرِ: (إنَّ الكَلامَ الفَصيحَ هو الظَّاهِرُ البَيِّنُ، وأعني بالظَّاهِرِ البَيِّنِ أن تكونَ ألفاظُه مَفهومةً لا يُحتاجُ في فَهْمِها إلى استِخراجٍ من كِتابِ لُغةٍ، وإنَّما كانت بهذه الصِّفةِ؛ لأنَّها تكونُ مألوفةَ الاستِعمالِ بَيْنَ أربابِ النَّظْمِ والنَّثْرِ، دائرةً في كَلامِهم، وإنَّما كانت مألوفةَ الاستِعمالِ دائرةً في الكَلامِ دونَ غَيرِها مِنَ الألفاظِ لمكانِ حُسْنِها؛ وذلك أنَّ أربابَ النَّظْمِ والنَّثْرِ غرْبَلوا اللُّغةَ باعتِبارِ ألفاظِها، وسَبَروا وقَسَّموا، فاختاروا الحَسَنَ مِنَ الألفاظِ فاستَعْمَلوه، ونَفَوُا القَبيحَ منها فلم يَستَعْمِلوه، فحُسْنُ الألفاظِ سَبَبُ استِعْمالِها دونَ غَيرِها، واستِعْمالُها دونَ غَيرِها سبَبُ ظُهورِها وبَيانِها؛ فالفَصيحُ إذَنْ مِنَ الألفاظِ هو الحَسَنُ.
وإذَنْ ثَبَت أنَّ الفَصيحَ مِنَ الألفاظِ هو الظَّاهِرُ البَيِّنُ، وإنَّما كان ظاهِرًا بيِّنًا لأنَّه مألوفُ الاستِعمالِ، وإنَّما كان مألوفَ الاستِعْمالِ لمكانِ حُسْنِه، وحُسْنُه مُدرَكٌ بالسَّمْعِ، والَّذي يُدرَكُ بالسَّمعِ إنَّما هو اللَّفْظُ؛ لأنَّه صَوتٌ يأتَلِفُ عن مخارِجِ الحُروفِ، فما استلَذَّه السَّمْعُ منه فهو الحَسَنُ، وما كَرِهَه فهو القَبيحُ، والحَسَنُ هو الموصوفُ بالفَصاحةِ، والقَبيحُ غَيرُ مَوصوفٍ بفَصاحةٍ؛ لأنَّه ضِدُّها لمكانِ قُبْحِه) [110] يُنظر: ((المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر)) لابن الأثير (1/ 81). .

انظر أيضا: