موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ السَّادِسُ: قَبْلَ الشُّروعِ في العَمَلِ الإنْشائيِّ


إذا أُسنِدَت إلى مُتعَلِّمِ الإنشاءِ مُهِمَّةُ كِتابةِ شَيءٍ أدَبيٍّ، أو أراد هو من نَفْسِه أن يَصوغَ مادَّةً أدبِيَّةً حولَ مَوضوعٍ ما، فإنَّ عليه أن يحسِنَ التَّفَكُّرَ في تلك المادَّةِ، ويُرتِّبَ أفكارَها وعناصِرَها في ذِهْنِه، ليُحسِنَ التَّخَلُّصَ بَيْنَ كُلِّ عُنصُرٍ وآخَرَ، ويُراعيَ حقَّ كُلِّ عُنصُرٍ ويَسْتَوفيَ له مادَّتَه، ويتخَيَّرَ مِنَ الخيالِ ما يَليقُ بالموضوعِ، ويُحسِنَ اختيارَ الصُّوَرِ البَيانيَّةِ الَّتي لها أكبَرُ الأثَرِ في قَبولِ العَمَلِ لدى القارِئِ والمُستَمِعِ.
ويجِبُ أن يَعلَمَ الكاتِبُ أنَّ كُلَّ مَوضوعٍ يختَلِفُ عن غَيرِه اختِلافًا كبيرًا؛ فإذا كان الموضوعُ للقِتالِ مَثَلًا لم تَحسُنْ فيه التَّصويراتُ الَّتي تحسُنُ في وَصْفِ المحبوبةِ والتَّغَزُّلِ فيها، بل يجِبُ أن يختارَ الصُّوَرَ والألفاظَ المُهَيِّجةَ للقِتالِ، الَّتي تبعَثُ الشَّجاعةَ في قُلوبِ السَّامعينَ، وتحُضُّ على اقتِحامِ المخاطِرِ والتَّصَبُّرِ في مَقامِ الشَّدائِدِ.
وإن كان الموضوعُ موضوعَ فَرَحٍ وسَعادةٍ كان الأمرُ بالعَكْسِ؛ حَيثُ ينتَخِبُ ما يَشرَحُ الصُّدورَ وتَقَرُّ به العُيونُ، وتُرَوَّحُ له الأرواحُ، ويُذهِبُ عنها الحُزنَ والأتراحَ. وهكذا؛ فلكُلِّ مَقامٍ مقالٌ.
وبَعْدَ كُلِّ هذا فإنَّ على الَّذي يَرومُ الكِتابةَ أن يُحسِنَ ترتيبَ مَوادِّه تلك، ويَعْتَنيَ بحُسنِ تأليفِها، بحَيثُ تكونُ الصُّوَرُ مُرتَبِطةً بَعْضُها ببَعضٍ، تُكَوِّنُ في النِّهايةِ صُورةً كُلِّيَّةً كامِلةً، يَستَشِفُّ بها القارِئُ الأحداثَ ويَشعُرُ بها كما لو أنَّه يُعاصِرُها، وحتى يكونَ الموضوعُ في النِّهايةِ مُنسَجِمًا يَمْضي وَحْدَه مع النَّفْسِ، دونَ حاجةٍ لعَصْرِ الذِّهْنِ في مَعرِفةِ الغَرَضِ المنشودِ أو المعنى المُرادِ [82] يُنظر: ((جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب)) للهاشمي (1/ 22). .

انظر أيضا: