موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الرَّابِعُ: الأُسلوبُ هو الرَّجُلُ


لا بُدَّ أن يكونَ لكُلِّ كاتبٍ أُسلوبُه الخاصُّ، وشَخْصِيَتُه ورُوحُه الَّتي تَظهَرُ في كِتابتِه وكَلامِه، وهنا يَكمُنُ سِرُّ الاختِلافِ بَيْنَ أُسلوبِ كُلِّ كاتِبٍ أو شاعرٍ، حتَّى عِنْدَ اتِّفاقِ المعنى الَّذي تناوَلوه؛ فحِكَمُ المتَنَبِّي ليسَت كحِكَمِ زُهَيرٍ، وهِجاءُ جَريرٍ لا يُشْبِهُ هِجاءَ الحُطَيئةِ، وغَزَلُ ابنِ أبي رَبيعةَ بَعيدٌ كُلَّ البُعْدِ عن غَزَلِ امْرِئِ القَيْسِ، وهكذا.
بل غايةُ نَجاحِ الأديبِ أنَّ القارِئَ إذا وقَعَ على كِتابٍ أو رِسالةٍ له دونَ النَّظَرِ في اسْمِ مُؤَلِّفِها، عرف أنَّ هذا أُسلوبُ الكاتِبِ فُلانٍ، وهذا لا ينفي ما ذُكِرَ سابقًا من ضرورةِ مُطالعةِ الكاتِبِ وإدمانِه قِراءةَ آثارِ السَّابقينَ؛ فإنَّ الغَرَضَ مِنَ المطالَعةِ حينَئِذٍ هو الوُقوفُ على طُرُقِ التَّعبيرِ والأداءِ، وزيادةُ المُحَصِّلةِ اللُّغَويَّةِ والبَيانيَّةِ، ومَعرِفةُ تَنويعِ الأداءِ وتَغايُرِ التَّراكيبِ، وليس الغَرَضُ مِنَ المطالَعةِ حينَئِذٍ التَّقْليدَ والتَّقيُّدَ بالسَّابِقينَ، واقتِفاءَ آثارِهم وحَذْوَ حَذْوِهم.
ينبغي كذلك على الكاتِبِ أن يُعالِجَ في كِتابتِه قَضايا عَصْرِه، ومُشكِلاتِه النَّفْسِيَّةَ والمُجتَمَعيَّةَ، فلا تكونُ كِتابتُه بمَعْزِلٍ عن حياتِه وأحوالِ مُجتَمَعِه؛ ولهذا يقالُ: (الأُسلوبُ هو الرَّجُلُ)، و(الصَّنيعُ كالفَنَّانِ) و(الأدَبُ صُورةٌ مِنَ الأديبِ).
وهذا لا يَعني أنَّ كُلَّ كِتاباتِ الأُدَباءِ كانت تعالِجُ مَشاكِلَ عَصْرِهم، بل كثيرًا ما تجِدُ عالَمًا جديدًا مُنتَظَرًا بعيدًا عن الواقِعِ يُنشِئُه الكاتِبُ رَغبةً منه في التَّغْييرِ، وتعبيرًا عمَّا يتطَلَّعُ إليه لتَعويضِ ما فاته مِن نَقصٍ وحِرمانٍ [80] يُنظر: ((المعجم الميسر في القواعد والبلاغة والإنشاء والعروض)) لمحمد أمين ضناوي (ص: 297). .

انظر أيضا: