موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّالِثُ: مَقاماتُ الكَلامِ


لا بُدَّ للكاتِبِ المُبتَدِئِ أن يَعلَمَ أنَّ الكِتابةَ تختَلِفُ باختِلافِ المقاماتِ واتِّساعِ بِساطِ الكِتابةِ؛ فبَعْضُ المقاماتِ يَقْتَضي ما لا يَقْتَضيه الآخَرُ، حَيثُ تتنوَّعُ المقاماتُ إلى:
- مَقامِ تحقيقٍ: حَيثُ يَضيقُ المقامُ عن الاسْتِشْهادِ بالأشعارِ والمُلَحِ والقَصَصِ، فيَكفي حينَئِذٍ بيانُ المَطلوبِ فَقَط، وهو البُرْهانُ والحِكْمةُ والجِدُّ، وهذا يكونُ في المُكاتَباتِ الرَّسْميَّةِ وبَعْضِ الأحوالِ الَّتي يكونُ الإطنابُ فيها ضَرْبًا مِنَ الثَّرْثَرةِ.
- مَقامِ مُسامحةٍ: وهو ضِدُّ المقامِ الأوَّلِ؛ حَيثُ يتَّسِعُ المقامُ للحِكاياتِ وبَسْطِ الكَلامِ والمُزاحِ والأشعارِ ونَحْوِ ذلك. وهذا تراه في مُكاتَباتِ الإخوانِ والأصدِقاءِ، ورسائِلِ الأحبابِ، وكُتُبِ الأدَبِ.
وباعتبارٍ ثانٍ ربَّما تنقَسِمُ المقاماتُ إلى:
- مَقامِ تَبْيينٍ: حَيثُ يجِبُ فيه بيانُ الألفاظِ بحَقيقتِها، وشَرْحُها، والتَّصريحُ بمَدْلولاتِها دونَ استِعْمالِ المجازِ والتَّشْبيهاتِ، والتَّلاعُبِ بالألفاظِ، وبَيانُ المَخْزونِ اللُّغَويِّ والبَلاغيِّ.
- مَقامِ تَنميقٍ: حَيثُ يَستَعمِلُ الكاتِبُ فيه ما لديه مِنَ الفُنونِ الأدَبيَّةِ؛ مِنَ المجازِ والكِنايةِ والتَّعْريضِ والتَّوْجيهِ والتَّوْريةِ، كما له أن يُغْرِبَ في الألفاظِ ويُثبِتَ براعَتَه في اسْتِخْدامِ الصُّوَرِ والأساليبِ.
وباعتبارٍ آخَرَ تَنقَسِمُ إلى:
- مَقامِ إيجازٍ وتَقصيرٍ: حَيثُ لا يجوزُ الإطنابُ؛ ربَّما لضيقِ الوَقْتِ، أو خَوفِ السَّآمةِ والمَلَلِ، أو نَحْوِ ذلك مِنَ الأغراضِ، فيَحرِصُ الكاتِبُ على أداءِ المعنى في أخزَلِ أُسلوبٍ وأبسَطِ تَركيبٍ.
- مَقامِ إطنابٍ: حَيثُ يجوزُ له أن يَزيدَ على ما يؤدِّي المعنى، مُستخدِمًا مَكنونَه اللُّغَويَّ والبَلاغيَّ في زيادةِ المعنى وتوكيدِه وتَبْيينِه، مِن غَيرِ أن يَبْعَثَه ذلك على التَّطْويل ِالمُمِلِّ الَّذي لا فائِدةَ فيه على اللَّفْظِ أو المعنى.
والكاتِبُ أعلَمُ النَّاسِ بمَقاماتِ حالِه، فلا يَستَخدِمُ في مَقامٍ ما لا يَليقُ به؛ فإنَّ الإطالةَ في مَوضِعِ الإيجازِ مُخِلَّةٌ، والإيجازَ في مَوطِنِ الشَّرْحِ والبَيانِ تَقْصيرٌ [79] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 89). .

انظر أيضا: