موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الثَّاني: شُروطُ الكاتِبِ وصِفاتُه


يُشتَرَطُ في الكاتِبِ -فَضْلًا عن توفُّرِ المَوهِبةِ والاطِّلاعِ ودَوامِ المُمارَسةِ- عِدَّةُ شُروطٍ؛ منها: أن يكونَ وافِرَ العَقْلِ صائِبَ الرَّأيِ؛ بحَيثُ يَستَخدِمُ كُلَّ نَوعٍ من أنواعِ البَيانِ في مَقامِه اللَّائِقِ به، ويُنَوِّعُ في أُسلوبِه حَسَبَما يَقْتَضيه الحالُ، فيَمدَحُ في حينِه ويَشْتَدُّ في حينِه، وهكذا.
فإنَّ العَقْلَ أُسُّ الفَضائِلِ وأصْلُ المناقِبِ، ومَن لا عَقْلَ له لا انتِفاعَ به، وكَلامُ المَرْءِ ورَأْيُه على قَدْرِ عَقْلِه؛ فإذا كان تامَّ العَقْلِ كامِلَ الرَّأيِ، وَضَع الأشياءَ في مُكاتباتِه ومُخاطباتِه في مَواضِعِها، وأتى بالكَلامِ مِن وَجْهِه، فتَكونُ كِتاباتُه المُختَلِفةُ باختِلافِ الحالِ واقِعةً في مَواقِعِها.
كما يُشتَرَطُ فيه أيضًا أن يكونَ عالِمًا بما يحتاجُ مِنَ الثَّقافةِ الإنسانيَّةِ والعُلومِ الشَّرعيَّةِ وقواعِدِ الكِتابةِ والفُنونِ الأدَبيَّةِ؛ إذ الجاهِلُ لا تمييزَ له بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، ولا مَعرِفةَ تُرشِدُه إلى الطُّرُقِ المُعتَبَرةِ في الكِتابةِ، ومَن سَلَك طريقًا بغيرِ دَليلٍ ضَلَّ، أو تمسَّكَ بغَيرِ أصلٍ زَلَّ.
وهذا فَضْلًا عمَّا ينبغي أن يكونَ عليه الكاتِبُ مِنَ السَّمْتِ والأخلاقِ وقُوَّةِ الأُسلوبِ؛ قال الفَضْلُ بنُ مهاتي: (ينبغي أن يكونَ الكاتِبُ أديبًا، حادَّ الذِّهْنِ، قَوِيَّ النَّفْسِ، حاضِرَ الحِسِّ، جيِّد الحَدْسِ، حُلْوَ اللِّسانِ، له جَراءةٌ يُثبِتُ بها الأمورَ على حُكمِ البَديهةِ، وفيه تُؤَدةٌ يَقِفُ بها فيما لا يَظهَرُ له على حَدِّ الرَّوِيَّةِ، شَريفَ الأنَفةِ، عَظيمَ النَّزاهةِ، كَريمَ الأخلاقِ، مأمونَ الغائِلةِ).
وقال أبو الفَضْلِ الصُّوريُّ: (ينبغي أن يكونَ الكاتِبُ فَصيحًا بليغًا أديبًا، سَنِيَّ الرُّتْبةِ، قَوِيَّ الحُجَّةِ، شَديدَ العارِضةِ، حَسَنَ الألفاظِ، له مَلَكةٌ يَقتَدِرُ بها على مَدْحِ المذمومِ وذَمِّ المحمودِ).
ناهيك عمَّا يجِبُ أن يكونَ عليه الأديبُ مِن حُسنِ السَّمْتِ، والبَهاءِ والوَقارِ، وحُسْنِ المَظْهَرِ، ومَلاحةِ الزِّيِّ... [78] يُنظر: ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) للقلقشندي (1/ 99). .

انظر أيضا: