موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: بدايةُ التَّدوينِ في فَنِّ الإنشاءِ


لم يَظهَرِ التَّدوينُ في فَنِّ الإنشاءِ بوَصْفِه فَنًّا مُستَقِلًّا منذُ قَديمٍ، بل -كعادةِ سائِرِ العُلومِ- تأخَّر التَّقعيدُ له وتدوينُ الأُصولِ والفُروعِ، وإن كانت أُصولُ الفَنِّ وفُروعُه مَعمولًا بها مِن غَيرِ تدوينٍ، حتَّى إنَّ بدايةَ التَّدوينِ في ذلك الفَنِّ لم تَكُنْ مُستَقِلَّةً بذاتِها، بل كان ضِمْنَ جملةِ فُنونِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ وآدابِها، فتَجِدُ بَعْضَ المسائِلِ مُتناثِرةً في كُتُبِ الأدَبِ والبَلاغةِ والتَّاريخِ، ومختاراتِ خُطَبِ العَرَبِ ونوادِرِهم ومُلَحِهم.
ثمَّ بَعْدَ ذلك كان قَسيمًا لعُلومِ البَلاغةِ؛ حَيثُ كان البَلاغِيُّونَ لا يَفصِلونَه عن عُلومِ البَلاغةِ، بل يُدرِجونَ فُصولَه ضِمْنَ فُصولِ عُلومِ المعاني والبَديعِ والبَيانِ، (ثمَّ جاء الَّذين حاموا حولَ ضَبطِ الأُصولِ وتدوينِ القواعِدِ، فمَزَجوا الفَنَّ بمسائِلِ عُلومِ البَلاغةِ والمُحَسِّناتِ، وأكثَروا فيما عدا ذلك بالوَصايا على تَتَبُّعِ مُنْشَآتِ البُلَغَاءِ مِنَ الكُتَّابِ، وأَتَوْا بجُملةٍ منها، ووازَنوا بينها؛ لتَحصُلَ للمتَعَلِّمِ مَلَكةٌ يقتَدِرُ بها على تمييزِ الحَسَنِ مِن غَيرِه، والنَّسْجِ على مِنوالِ ما يراه حَسَنًا، وفي هذه الطَّريقةِ ظَهَرت أفضَلُ كُتُبِ الفَنِّ وأقرَبُها إلى الطَّريقةِ التَّعليميَّةِ، كما فَعَل ابنُ الأثيرِ في ((المَثَل السَّائِر))، وسبقه في ذلك أبو هِلالٍ العَسْكَريُّ في كِتابِ ((الصِّناعَتَين))، وعلى وَقْعِ خُطاهم اقتفى السَّالِكونَ، المُطَوِّلُونَ كُتُبَهم والمُقَصِّرون) [16] يُنظر: ((أصول الإنشاء والخطابة)) لابن عاشور (ص: 51). .

انظر أيضا: