موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: الجُمَلُ الَّتي لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعرابِ


وهي تِسْعٌ:
1- الجُملةُ الابتِدائيَّةُ، وهي التي تكونُ في مُفتَتَحِ الكَلامِ، مِثلُ: الدِّينُ النَّصيحةُ.
الدِّينُ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
النَّصيحةُ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والجُملةُ ابتدائيَّةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
2- الجُملةُ الاستئنافيَّةُ، وهي التي تقعُ في أثناءِ الكلامِ، مُنقَطِعةً عمَّا قَبْلَها؛ لاستئنافِ كلامٍ جديدٍ، مِثلُ قَولِه تعالى: وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [يونس: 65] ، وقَولِه: فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [يس: 76] ؛ فجُملةُ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وإِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ جملتانِ استئنافيتانِ لا مَحَلَّ لهما مِنَ الإعرابِ، ولَيْستا مَقولَ القَولِ؛ فالجُملتانِ اللَّتانِ قبلهما انْتَهَتَا عند قَولِه تعالى: قَوْلُهُمْ.
وتقتَرِنُ بالواوِ الاستئنافيَّةِ، كقَولِه تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً [الحج: 5] ؛ فإنَّ جُملةَ (وترى الأرضَ هامِدةً) جملةٌ استئنافيَّةٌ منقَطِعةٌ عمَّا قَبْلها في المعنى، ولا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
وتقترِنُ كذلك بالفاءِ الاستئنافيَّةِ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
إنَّ الحياةَ لشَوكٌ وَسْطَهُ زَهرٌ
فحَطِّمِ الشَّوكَ حتَّى تَبلُغَ الزَّهرا
فجُملة «فحطِّمِ الشَّوكَ» استئنافيَّةٌ سُبقت بالفاءِ الاستِئنافيَّةِ.
3- الجُملةُ التَّعليليَّةُ، وهي التي تقعُ في أثناءِ الكلامِ تعليلًا لِما قبلَها، كقَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح: 10] ؛ فجُملةُ: إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا تعليليَّةٌ، ذَكَرَت السَّبَبَ من أمرِ نوحٍ عليه السَّلامُ لِقَومِه بالاستغفارِ. وقد تقترنُ الجُملةُ التعليليَّةُ بفاءِ التَّعليلِ، نَحوُ: (اصْبِرْ؛ فإنَّ الحقَّ مُرٌّ).
4- الجُملةُ الاعتراضيَّةُ، وهي التي تَعترضُ بيْن شيئينِ مُتلازِمَينِ، كالفِعْل والفاعِلِ أو المفعولِ، والمُبتَدَأِ والخَبَرِ، والقَسَمِ وجوَابهِ، والصِّفةِ والموصوفِ.
مثلُ: (قُلْ -يَرْحمُكَ اللهُ- الحقَّ)؛ فجملةُ: «يرحمُك اللهُ» اعترضت بين الفِعْلِ الذي فاعِلُه مستترٌ وُجوبًا وبين المفعولِ.
ومِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ من الطويل
وَفِيَهِنَّ -وَالأَيامُ يَعْثُرْنَ بِالْفَتَى-
نَوادِبُ لا يَمْلَلْنَهُ ونَوائحُ
فاعترض بين الخبر المقدَّمِ (فيهِنَّ) وبين المُبتَدَأِ المؤخَّرِ (نوادِبُ) بجُملةِ (وَالأَيامُ يَعْثُرْنَ بِالْفَتَى).
ومِثْلُ قَولِه تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 24] ، فجُملةُ وَلَنْ تَفْعَلُوا اعتراضيَّةٌ بين الشَّرطِ وجوابِه.
ومِثْلُ قَولِه تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة: 76] ؛ فجُملةُ لَوْ تَعْلَمُونَ اعتراضِيَّةٌ بين الصِّفةِ عَظِيمٌ والموصوفِ قَسَمٌ.
ومن الجُمَلِ الاعتراضيَّةِ: ألفاظُ التنزيهِ لله، والصَّلاةِ والسَّلامِ على رَسولِه، والترَضِّي عن أصحابِه، والترَحُّمِ على سائِرِ النَّاسِ؛ تَقولُ: إنَّ اللهَ -سُبحانَه وتعالى- غفورٌ رحيمٌ، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خاتمُ الرُّسُلِ، والصَّحابةُ الكِرامُ -رَضِيَ اللهُ عنهم- بذلوا الغاليَ والنفيسَ لخِدمةِ هذا الدِّينِ، المسلِمون الأوائِلُ -رحمهم الله- كانوا حريصين على امتثالِ أحكامِ الشَّرعِ. فمِثلُ هذه العباراتِ جُمَلٌ اعتراضِيَّةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
5- الجُملةُ الواقِعةُ صِلةً للاسمِ الموصولِ، كقَولِه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2] ، فجُملةُ: إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ صلةُ الموصولِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. ومِثلُها قولك: هذا أخي الذي يَكْبُرُني بخمسةِ أعوامٍ؛ فما بعدَ (الذي) صلةُ الموصولِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
6- الجُملةُ التَّفسيريَّةُ:
وهي على ثلاثةِ أنواعٍ:
أ- إمَّا مقرونةٌ بكَلِمة "أي" تَقولُ: أشرْتُ إليه، أي: اذهَبْ. فجملةُ (اذهَبْ) تفسيريَّةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
ب- وإمَّا مقرونةٌ بكَلِمة "أنْ"، ومنها قَولُه تعالى: فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ [المؤمنون: 27] . فجملة اصْنَعِ الْفُلْكَ تفسيرٌ للإيحاءِ وبَيانٌ له؛ لأنَّ فِعلَ (أوحَيْنا) فيه معنى القولِ دونَ حُروفِه. وهذه الجُملةُ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
(ولا تكونُ "أنْ" مُفسِّرةً إلَّا بثلاثةِ شُروطٍ مجْتَمِعةٍ:
أوَّلُها: أن تَسبِقَها جملةٌ مُستقِلَّةٌ كامِلةٌ، فيها معنى القَولِ دونَ حُروفِه.
ثانيها: أن يتأخَّرَ عنها جملةٌ أخرى مُستقِلَّةٌ، تتضَمَّنُ معنى الأوَّلِ، وتوضِّحُ المرادَ منها.
ثالثها: ألَّا تقتَرِنَ "أنْ" بحَرفِ جَرٍّ ظاهِرٍ أو مُقَدَّرٍ) يُنظَر: ((النحو الوافي)) (4/ 294). .
فائدةٌ: إذا جاء بعد (أنْ) التي تصلُحُ أن تكون تَفسيريَّةً مضارعٌ مسبوقٌ بـ(لا)، نَحوُ: أشرتُ إليه ألَّا يفْعَل، جاز رفعُه على تقديرِ (لا) نافية، وجَزْمُه على تقديرِها ناهيةً، وتكونُ (أنْ) مفسِّرةً، ونصْبُه على تقديرِ (لا) نافيةً، و(أنْ) مصْدرية، فإن حُذِفَت (لا) امتنع الجَزمُ، وصَحَّ الرَّفعُ أو النَّصبُ، فتَقولُ: أشرت إليه أن يَفعَلُ / يفعَلَ يُنظَر: ((مغني اللبيب)) (ص 50). .
ج- وإمَّا مجرَّدةٌ من كَلِمات التفسيرِ، نَحوُ قَولِه تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الأنبياء: 3] ؛ فإن النَّجْوى النَّجْوى: المحادَثةُ الخَفِيَّةُ. يُنظَر: ((العين)) للخليل (6/187)، ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 497). والإسرار: الإخفاءُ والكتمان، ضدُّ الإعلان. يُنظَر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/ 67). التي أسرُّوها هي قَولُهم: هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؛ فجاءت الجُملةُ تفسيرًا للنَّجْوى، وهي جملةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، ومِثلُه قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف: 10، 11]، فجُملةُ (تُؤمِنون ...) لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وهي تفسيرٌ للتِّجارةِ التي في الآيةِ السَّابقةِ.
7- الجُملةُ الواقعةُ جوابًا للقَسَمِ، كقَولِه تعالى: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء: 57].
التاءُ: حَرفُ قَسَمٍ، واسمُ الجلالةِ مُقسَمٌ به مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ، لأكيدَنَّ: اللامُ: رابطةٌ في جوابِ القَسَمِ، أكيدَنَّ: فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، والنُّونُ حَرفٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وجوبًا تقديره: أنا، أصنامَكم: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ، والكافُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه. وجملةُ (لأكيدَنَّ أصنامَكم) جوابُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
8- الجُملةُ الواقعةُ جوابًا لشَرطٍ غيرِ جازمٍ، كـ(إذا، ولو، ولولا)، وكذا الواقِعةُ جَوابًا لشَرطٍ جازمٍ غيرَ مُقتَرِنةٍ بالفاءِ أو إذا الفُجائيَّةِ.
فمِثالُ الجُملةِ الواقعةِ جَوابًا لشرْطٍ غيرِ جازمٍ: لو جِئتَنا أكرَمْناك.
لو: أداةُ شَرطٍ غيرُ جازمةٍ، جِئْتَنا: (جاء) فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، و(نا) ضَميرٌ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ نصْبٍ مَفعولٌ به، أكرَمْناك: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بـ(نا) الفاعِلين، و(نا): ضَميرٌ مَبْنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والكافُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ في مَحلِّ نصْبٍ مفعولٌ به. وجُملةُ (أكْرَمناك) جوابُ الشَّرطِ غيرُ الجازمِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
ومِثالُ الجُملةِ الواقِعةِ جَوابًا لشَرطٍ جازمٍ غيْرَ مُقتَرِنةٍ بالفاءِ أو (إذا) الفُجائيَّةِ: إنْ تَقُمْ أقُمْ، ومنه قَولُه تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 2].
إنْ تَقُمْ أقُمْ
(إنْ): حرْفُ شَرطٍ جازمٌ مَبنيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له مِن الإعرابِ. (تَقُمْ): فِعلُ الشَّرطِ مَجزومٌ، وعَلامةُ جَزْمِه السُّكونُ، والفاعلُ ضَميرٌ مُستتِرٌ وُجوبًا تقْديرُه: أنْتَ. (أقُمْ): جَوابُ الشَّرطِ مَجزومٌ، وعَلامةُ جَزْمِه السُّكونُ، والفاعلُ ضَميرٌ مُستتِرٌ وُجوبًا تقْديرُه: أنا. والجُملةُ الفعليَّةُ (أقُمْ) لا مَحلَّ لها مِن الإعرابِ جَوابُ شَرطٍ جازمٍ غيْرُ مُقترِنٍ بفاءٍ أو (إذا) الفُجائيَّةِ.
9- الجُملةُ التَّابِعةُ لجُملةٍ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، كالمعطوفةِ على الجُملةِ الابتدائيَّةِ، نحْو (اشتَرَيتُ كِتابًا وقرأتُه)؛ فجُملةُ (وقرَأْتُه) معطوفةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ؛ أو المعطوفةِ على جوابِ القَسَمِ؛ تَقولُ: واللهِ لأضرِبَنَّ عليًّا ولأُكرِمنَّ عَمْرًا؛ فجُملةُ (لأُكرِمَنَّ عَمْرًا) مَعطوفةٌ على ما لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ؛ أو المعطوفةِ على صِلةِ الموصولِ، مِثلُ: أحِبُّ الطُّلابَ الذين يجتَهِدون في العِلمِ ويَحرِصون على مجالِسِه؛ فإنَّ جملةَ (يَحرِصون على مجالِسِه) معطوفةٌ على (يجتَهِدون)، وهي لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (1/ 112)، ((مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب)) لابن هشام (2/ 410)، ((جامع الدروس العربية)) (3/ 285 - 289). .


انظر أيضا: