موسوعة اللغة العربية

الفصل التَّاسِعُ: الكِتابةُ الصَّوتيَّةُ


لَمَّا كانتِ اللُّغةُ أصْواتًا مَنْطوقةً تُنتِجُها آلةُ النُّطْقِ عند الإنْسانِ فإنَّ هذه الأصْواتَ يَخْتفي أثَرُها في الهَواءِ قبل أن يَقومَ الإنْسانُ بتَسْجيلِها، وقد كانتِ الكِتابةُ أهمَّ وَسيلةٍ لتَسْجيلِ اللُّغةِ، ورَغمَ ذلك فإنَّها عَجَزتْ عن تَمْثيلِ أصْواتِ اللُّغةِ تَمْثيلًا تامًّا، فإنَّ بعضَ الحُروفِ تُنطَقُ ولا تُكتَبُ، وبعضُها يُكتَبُ ولا يُنطَقُ، أو تُكتَبُ وتُنطَقُ بغيرِ أصْواتِها، إضافةً إلى أنَّ بعضَ ظَواهِرِ النُّطْقِ يَصعُبُ كِتابتُها؛ كالنَّبْرِ والتَّنْغيمِ؛ ولِهذا واجَهَ عُلَماءَ اللُّغةِ الأوروبِّيِّينَ مُشكِلتانِ: (1) الكِتابةُ الإمْلائيَّةُ الَّتي لا تَفِي بمُتطلَّباتِ تَمْثيلِ اللُّغةِ، وهذا واضِحٌ في الهِجاءِ الإنْجليزيِّ والهِجاءِ الفَرنسيِّ، (2) الحاجةُ إلى دِراسةِ لُغاتِ الشُّعوبِ الَّتي اسْتَعْمَروها.
وهذا جعَلهم يَعْملون على اخْتِراعِ كِتابةٍ تَتضمَّنُ الرُّموزَ الصَّوتيَّةَ بحيثُ يكونُ لكلِّ رَمزٍ صَوتٌ واحِدٌ، وتَطوَّرتْ مُحاوَلاتُهم حتَّى ظهَر ما يُعرَفُ بالكِتابةِ الصَّوتيَّةِ الدَّوليَّةِ الَّتي أقرَّتْها الجَمعيَّةُ الصَّوتيَّةُ الدَّوليَّةُ سَنةَ 1988م، وتَوالتِ التَّعْديلاتُ عليها حتَّى ظهَرت آخِرُ صُورةٍ لها عامَ 1952م.
وتَعْتمِدُ رُموزُ هذه الكِتابةِ على الحُروفِ اللَّاتينيَّةِ الَّتي تُكتَبُ بها مُعظَمُ لُغاتِ أوروبَّا، معَ إضافةِ رُموزٍ مِنَ الكِتابةِ اليُونانيَّةِ، معَ إضافةِ بعضِ عَلاماتٍ أخرى [398] يُنظَر: ((المدخل إلى علم أصوات العربية)) لغانم قدوري الحمد (ص30-31). .
ومِنَ الباحِثين العَربِ مَنْ فضَّل رُموزَ الكِتابةِ الصَّوتيَّةِ الدَّوليَّةِ، ومنْهم مَنْ لاحَظَ وَفاءَ رُموزِ الكِتابةِ العَربيَّةِ بمُتطلَّباتِ الدَّرسِ الصَّوتيِّ العَربيِّ؛ ففي الرَّسْمِ العَربيِّ ما يتَّفِقُ وخُصوصيَّةَ لُغتِنا [399] يُنظَر: ((أصوات العربية بين التحول والثبات)) لحسام النعيمي (ص101). .
ولِهذه الأبْجديَّةِ الصَّوتيَّةِ الدَّوليَّةِ مُميِّزاتٌ وعُيوبٌ، فمِن مُميِّزاتِها:
1- أنَّها أبْجَدِيَّةٌ رَسْميَّةٌ لا تُمثِّلُ شَخْصًا بمُفرَدِه، بل جَمعيَّةً عالَميَّةً.
2- أنَّها أكْثَرُ انْتِشارًا مِن سائِرِ الأبْجَديَّاتِ؛ لذا فهي أفْضَلُ الوَسائِلِ المُمكِنةِ لتبَادُلِ الأفْكارِ.
3- أنَّها وفَّرتْ على الباحِثين مَشقَّةَ وَصْفِ الأصْواتِ، كلٍّ على حِدَةٍ.
4- أنَّها وحَّدتِ الرُّموزَ بَينَ عُلَماءِ الأصْواتِ.
5- أنَّها تَغلَّبتْ على عُيوبِ الألفبائيَّةِ العاديَّةِ.
ومِن عُيوبِها:
1- أنَّ مُعظَمَ الَّذين اشْتَركوا في صُنْعِها عُلَماءُ أوروبِّيُّون ركَّزوا اهْتِمامَهم على المُشكِلاتِ الصَّوتيَّةِ الخاصَّةِ باللُّغاتِ الأوروبِّيَّةِ.
2- أنَّها لم تكنْ نِتاجَ بَحْثٍ شامِلٍ مُسْتَفيضٍ بقدْرِ ما كانت حَلًّا وسَطًا لوِجهاتِ النَّظرِ المُختلِفةِ للدَّارِسين.
3- أنَّها نِظامٌ مُحافِظٌ بَطيءُ التَّغْييرِ بالنِّسبةِ لِما أحْرَزَه عِلمُ الأصْواتِ حَديثًا مِن مَعْلوماتٍ جَديدةٍ.
4- أنَّها خرَجتْ على المَبادِئِ الَّتي سَنَّتْها [400] يُنظَر: ((دِراسة الصوت اللُّغوي)) لأحمد مختار عمر (ص91-92). ، مِثلُ: خُروجِها على الالْتِزامِ بالرُّموزِ الرُّومانيَّةِ لعَدَمِ كِفايتِها، وعَدَمِ الالْتِزامِ برَمزٍ واحِدٍ لكلِّ صَوتٍ مُتميِّزٍ.
وهذه صُورةٌ للرُّموزِ الصَّوتيَّةِ العَربيَّةِ في الأبْجَديَّةِ الدَّوليَّةِ [401] يُنظَر: ((علم الأصوات العام)) لبسام بركة (ص4).


انظر أيضا: