موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّاني: الفَرْقُ بَينَ الحَرْفِ والصَّوتِ


أصْلُ الحَرْفِ: الطَّرَفُ، وإنَّما سُمِّي حَرْفًا لأنَّ حَرْفَ التَّهجِّي طَرَفُ الأصْواتِ، وقد كان العُلَماءُ قَديمًا يَسْتخدِمون المُصْطلَحينِ بمَعْنًى واحِدٍ أحْيانًا، ويُفرِّقون بينَهما في بعضِ المَواضِعِ، ومِن عُلَماءِ العَربيَّةِ الَّذين فرَّقوا بينَهما ابنُ جنِّي؛ حيثُ يقولُ: (اعْلَمْ أنَّ الصَّوتَ عَرَضٌ يَخرُجُ مِنَ النَّفَسِ مُسْتطيلًا مُتَّصِلًا، حتَّى يَعرِضَ له في الحَلْقِ والفَمِ والشَّفتَينِ مَقاطِعُ تُثْنيه عنِ امْتِدادِه واسْتِطالَتِه، فيُسمَّى المَقطَعُ أينَما عَرَض له حَرْفًا) [346] ((سر صناعة الإعراب)) لابن جني (1/19). إلى أنْ يقولَ: (فقد ثبَت بما قدَّمناه مَعْرِفةُ الصَّوتِ مِنَ الحَرْفِ) [347] ((سر صناعة الإعراب)) لابن جني (1/22). ويُعرِّفُ عُلَماءُ القِراءاتِ الحَرْفَ بأنَّه: صَوتٌ مُعْتمِدٌ على مَقطَعٍ مُحقَّقٍ أو مُقدَّرٍ، أمَّا الصَّوتُ فهو هَواءٌ يَتموَّجُ بتَصادُمِ جِسْمَين؛ فالصَّوتُ أعَمُّ لأنَّه يَصدُرُ مِنَ الإنْسانِ وغيرِه، بخِلافِ الحَرْفِ فإنَّه يَختصُّ بالإنْسانِ وَضْعًا [348] يُنظَر: ((المنح الفِكرية شرح المقدمة الجزرية)) للملا علي القاري (ص13). .
وفي الدِّراساتِ الحَديثةِ يَشيعُ اسْتِعمالُ الصَّوتِ بَدَلَ الحَرْفِ؛ لأنَّ الصَّوتَ عندَهم يُنطَقُ فيكونُ نَتيجَةَ تَحْريكِ أعْضاءِ الجِهازِ النُّطْقيِّ، وما يُصاحِبُ هذا التَّحْريكَ مِن آثارٍ سَمْعيَّةٍ. والحَرْفُ (لا يُنطَقُ، وإنَّما يُفهَمُ في إطارِ نِظامٍ مِنَ الحُروفِ يُسمَّى النِّظامَ الصَّوتيَّ للُّغةِ) [349] ((اللغة العربية معناها ومبناها)) لتمام حسان (ص74). . ويُعرِّفُه بعضُهم بأنَّه: وَحدَةٌ تَجْريديَّةٌ مَرْسومَةٌ تَشمَلُ صَوتًا أو أكْثَرَ، وقد لا يكونُ صَوتًا حينَما لا يُنطَقُ، وقد يكونُ صُورةً مَرْسومةً للصَّوتِ. والصَّوتُ: هو ما يَنتِجُ عنِ العَمليَّةِ الحرَكيَّةِ ذاتِ الأثَرِ السَّمْعيِّ (مَنْطوق) [350] يُنظَر: ((دروس في النظام الصوتي للُّغة العربية)) لعبد الرحمن الفوزان (ص8). .
فالصَّوتُ إذن عَمليَّةٌ نُطْقيَّةٌ تَدخُلُ في تَجارِبِ الحَواسِّ، يُؤدِّيه الجِهازُ النُّطْقيُّ حَرَكةً، وتَسمَعُه الأذُنُ، وتَرى العَينُ بعضَ حَرَكاتِ الجِهازِ النُّطْقيِّ حين أدائِه. أمَّا الحَرْفُ فهو عُنوانُ مَجْموعةٍ مِنَ الأصْواتِ، يَجمَعُها نَسَبٌ مُعيَّنٌ، فهو فِكرةٌ عَقليَّةٌ لا عَمليَّةٌ عَضَليَّةٌ [351] يُنظَر: ((المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللُّغوي)) لرمضان عبد التواب (ص84). .

انظر أيضا: