موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ السَّابعُ: معاجِمُ المعاني، أو ما تُسَمَّى أيضًا بالمدرسةِ المَوضوعاتيَّةِ


(لقد سَبَق العَرَبُ الغربيِّينَ إلى فكرةِ ترتيبِ المفرَداتِ اللُّغَويَّةِ في شَكلِ حُقولٍ مُعجَميَّةٍ. بل إنَّ بدايةَ جمعِ المادَّةِ اللُّغَويَّةِ كان في صورةِ رسائِلَ كُلٌّ منها يرصُدُ مفرداتِ حَقلٍ مُعَيَّنٍ. ومن هذه الرَّسائِلِ اللُّغَويَّةِ: كتابُ كتابُ الأنواءِ. وقبل تأليفِ المعاجمِ العَربيَّةِ مُرتَّبةً صوتيًّا أو ألِفْبائيًّا، كذلك ظَهَر عَدَدٌ من المعاجِمِ المُرَتَّبةِ حَسَبَ المعاني، مِثلُ: الغريبِ المصنَّفِ لأبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلَّامٍ، والألفاظِ الكتابيَّةِ لعبدِ الرَّحمنِ الهَمدانيِّ، ومُتخَيَّرِ الألفاظِ لابنِ فارسٍ، وفِقهِ اللُّغةِ وسِرِّ العربيَّةِ لأبي منصورٍ الثَّعالبيِّ، والمُخَصَّصِ في اللُّغةِ لابنِ سِيدَه، وكفايةِ المتحَفِّظِ ونهايةِ المتلَفِّظِ لابنِ الأجدابيِّ) [331] يُنظَر: ((المعجم وعلم الدلالة)) لسالم سليمان الخماس (ص: 197). .
(فالغريبُ المُصَنَّفُ لأبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلَّامٍ (ت 224) يُعَدُّ أوَّلَ مُعجَمٍ عَرَبيٍّ مُرَتَّبٍ حَسَبَ المعاني، مكَث مؤلِّفُه أربعين سنةً في جمعِه وتصنيفِه. ومن موضوعاتِه: كتابُ خَلقِ الإنسانِ، كتابُ النِّساءِ، كتابُ اللِّباسِ، كتابُ الأطعِمةِ، كتابُ الأمراضِ، كتابُ السِّلاحِ، كتابُ الأواني، كتابُ الشَّجَرِ والنَّباتِ، كتابُ الإبِلِ، كتابُ الغَنَمِ، كتابُ الوَحشيِّ. وأمَّا المُخَصَّصُ لابنِ سِيدَه فيُعَدُّ أضخَمَ مُعجَمٍ عَرَبيٍّ في التُّراثِ العَرَبيِّ، وأشمَلَ مُصَنَّفٍ مرتَّبٍ حسَبَ المعاني والحُقولِ. ومن موضوعاتِ ذلك المعجَمِ: الإنسانُ (صِفاتُه وخَلْقُه وأمراضُه...إلخ)، الحيوانُ (الخَيلُ، الإبِلُ، الغَنَم...إلخ)، السَّماءُ والمُناخُ (المَطَرُ، الشَّمسُ، النُّجومُ...إلخ)، الأرضُ (النَّباتُ، الأشجارُ، الجبالُ...إلخ)، المادِّيَّاتُ (المعادِنُ، الأدواتُ، الملابِسُ، الطَّعامُ...إلخ. وبالنَّظَرِ إلى نموذَجِ المُعجَمَينِ فيما سبق يُعرَفُ أنَّ ترتيبَ الموادِّ اللُّغَويَّةِ في معاجمِ المعاني يدورُ على نظريةِ الحُقولِ الدَّلاليَّةِ، فيكونُ نوعُ تلك المعاجِمِ موضوعيًّا؛ لأنَّ المفرداتِ مُرَتَّبةٌ حَسَبَ الموضوعِ الخاصِّ الذي يجمَعُ فيما يقالُ باصطلاحِ "كتاب") [332] ((دراسة معجمية: نشأتها ونظرياتها ومدارسها)) لتوفيق أوروشمان (ص: 175). .
ويُقصَدُ بمعاجِمِ المعاني: الكُتُبُ المُؤلَّفةُ في جَمعِ الألفاظِ حسَبَ مَوضوعِها أو مَعناها، فمَنِ ابتَغى مَعرِفةَ لفظةٍ، فعليه أن يَعرِفَ مَوضوعَها، وهل هي تَندرِجُ فيما يَتعلَّقُ بخَلقِ الإنسانِ، أوِ السِّلاحِ، أوِ الحَيَوانِ، أوِ الطَّعامِ، أوِ الشَّرابِ، أوِ اللِّباسِ، أو نَحوِ ذلك ممَّا له عَلاقةٌ بحَياةِ العَربِ.
وهي نَوعانِ:
1 - تَخصيصُ مَوضوعٍ واحِدٍ بمُؤلَّفٍ مُستقِلٍّ؛ حيثُ كان العُلَماءُ قَديمًا يُفرِدون أحدَ المَوضوعاتِ بكِتابٍ مُستقِلٍّ يَتَناولون فيه ذلك المَوضوعَ وَحدَه (أسماءَه، ألوانَه، أجزاءَه، أطوارَه، أمراضَه)، معَ الاستِدلالِ على ذلك ببعضِ ما ورَد مِنَ الآياتِ والأحاديثِ، والأشعارِ وأقوالِ الفُصَحاءِ، والأمثالِ والأخبارِ.
ومِن أمثِلةِ هذا النَّوعِ:
(خَلقُ الإنسانِ) للإمامِ الأصمَعيِّ (تُوفِّي: 216 هـ).
(كِتابُ الإِبِلِ) للأصمَعيِّ.
(كِتابُ السِّلاحِ) للأصمَعيِّ.
(كِتابُ الخَيلِ) لأبي عُبيدَةَ مَعمَرِ بنِ المُثنَّى (تُوفِّي: 210 هـ).
2 - مَعاجِمُ المَوضوعاتِ (المَعاني):
بعد ذلك تَطوَّرَ التَّأليفُ ليَشمَلَ جَمعَ العَديدِ مِنَ المَوضوعاتِ في مَعاجِمَ مُوسَّعةٍ، تُسمَّى مَعاجِمَ المَوضوعاتِ أو مَعاجِمَ الصِّفاتِ؛ لِكونِها تَتناوَلُ صِفاتِ الأشياءِ وتَتكلَّمُ عنها بدِقَّةٍ؛ وذلك ككُتُبِ: (صِفةِ خَلقِ الإنسانِ، أوِ الفَرَسِ، أوِ الإِبِلِ، أوِ الخَيلِ ... )؛ فالهَدَفُ هو تَصنيفُ الألفاظِ في داخِلِ مَجموعاتٍ مَوضوعيَّةٍ وَفقَ مَعانيها المُتَشابِهةِ، ويَلحَقُ بها مُؤلَّفاتُ غَريبِ الفِقهِ المُرتَّبةُ حسَبَ المَوضوعاتِ الفِقهيَّةِ، فمَن أراد مَعرِفةَ مَعنى لَفظةٍ فعليه أن يَعرِفَ بابَها.
ومِن أمثِلةِ هذا النَّوعِ:
أحمَدُ بنُ فارِسٍ الرَّازيُّ في كِتابِه: (مُتخيَّرِ الألفاظِ) (تُوفِّي: 395 هـ).
الثَّعالِبيُّ في كِتابِه: (فِقهِ اللُّغةِ وسِرِّ العَربيَّةِ) (تُوفِّي: 429 هـ).
ابنُ سِيدَه الأندلُسيُّ في كِتابِه: (المُخَصَّصِ) (تُوفِّي: 458 هـ) [333] يُنظَر: ((المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها)) لأحمد بن عبد الله الباتلي (ص: 69 وما بعدها). .
وخِتامًا: إذا كان المُعجَمُ العَربيُّ مُمتلِئًا بكَمٍّ غَفيرٍ مِنَ الثَّروةِ اللُّغويَّةِ الَّتي تُعبِّرُ عن ثَراءِ الفِكرِ الإنسانيِّ عامَّةً، ومنه العَربيُّ خاصَّةً؛ فإنَّ ذلك يَعني أنَّ الطَّريقةَ الامتِداديَّةَ التَّوليديَّةَ للُّغةِ تَستوجِبُ تَجديدَ البِناءِ المُعجَميِّ بحيثُ تَستوعِبُ المُتغيِّراتِ اللِّسانيَّةَ اللَّفظيَّةَ منها والدَّلاليَّةَ.

انظر أيضا: