موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ السَّادِسُ: أُسُسُ تصنيفِ المدارِسِ المُعجَميَّةِ


(لقد سَلَك التَّأليفُ المُعَجميُّ عند العَرَبِ طُرُقًا مختلفةً، أهمُّها ثلاثٌ رئيسةٌ، وهي:
1- طريقةُ التَّرتيبِ الصَّوتيِّ بحَسَبِ المخارِجِ الصَّوتيَّةِ والتقاليبِ والأبنيةِ الصَّرفيَّةِ.
2- طريقةُ التَّرتيبِ الألِفْبائيِّ وَفقَ أصولِ الكَلِماتِ بالنَّظَرِ إلى الحَرفِ الأخيرِ من الكَلِمةِ.
3- طريقةُ التَّرتيبِ الموضوعيِّ القائِمِ على جمعِ المفرداتِ ضِمنَ حُقولٍ دَلاليَّةٍ أو مجالاتٍ معنويَّةٍ؛ فالطريقتانِ الأُولى والثَّانيةُ تُحيلانِ إلى معاجِمِ الألفاظِ، والثَّالِثةُ إلى معاجِمِ المعاني) [327] يُنظَر: ((نظرة تاريخية في حركة التأليف في اللغة والأدب)) لأمجد الطرابلسي (ص: 10)، ((المعجم العربي بحوث في المنهج والمادة والتطبيق))، رياض زكي قاسم (ص 29). .
هذا، والمعاجِمُ اللُّغَويَّةُ نوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: يُعالِجُ اللَّفظةَ، شارِحًا مَدلولَها وجَميعَ ما يَتَّصِلُ بها، ويَتَّخذُ لها مَنهَجًا خاصًّا في تَرتيبِ الألفاظِ، وهذا النَّوعُ مِنَ المَعاجِمِ يُسمَّى مَعاجِمَ الألفاظِ، ومنها: مُعجَمُ العَينِ للخَليلِ بنِ أحمَدَ، والصَّحاحُ للجَوهَريِّ، ولِسانُ العَربِ لابنِ مَنظورٍ، وأساسُ البَلاغةِ للزَّمَخشَريِّ.
النَّوعُ الثَّاني: يَجمَعُ الألفاظَ الَّتي تَدورُ حول مَعنًى واحِدٍ أو مَوضوعٍ واحِدٍ، ويُسمَّى مُعجَمَ المَعاني أو مُعجَمَ المَوضوعاتِ، ومنها: كِتابُ فِقهِ اللُّغةِ للثَّعالِبيِّ، والمُخصَّصُ لابنِ سِيدَه [328] يُنظَر: ((علم الدلالة والمعجم العربي)) لعبد القادر أبو شريفة، وحسن لافي، وداود غطاشة (ص: 115 – 116). .
ويُمكِنُ أن نَحصُرَ قَضيَّةَ التَّرتيبِ في المَدارِسِ الآتيةِ الَّتي تَتأسَّسُ على مَعاجِمِ الألفاظِ ومَعاجِمِ المَعاني:
المَدرسةُ الصَّوتيَّةُ:
وهي تَتبَعُ التَّرتيبَ بحسَبِ الحُروفِ الحَلقيَّةِ ومَقلوباتِ الكَلِمةِ؛ حيثُ يُعَدُّ الإمامُ الخَليلُ بنُ أحمَدَ الفَراهيديُّ (تُوفِّي: 170 هـ) في كِتابِه العَينِ أوَّلَ مَن ألَّف على هذه الطَّريقةِ؛ فقد رتَّب الحُروفَ الحَلقيَّةَ، بَدءًا بالأبعَدِ في الحَلقِ، مُنتهيًا بما يَخرُجُ مِنَ الشَّفتَين:
الحُروفُ الحَلقيَّةُ (ع / ح / هـ / خ / غ).
ثمَّ اللَّهَويَّةُ (ق/ ك).
ثمَّ الشَّجَريَّةُ (ج / ش / ض).
فالأسَليَّةُ (ص / س / ز).
فالنِّطعيَّةُ (ط / د / ت).
فاللَّثَويَّةُ (ظ / ذ / ث).
فالذَّلَقيَّةُ (ر/ ل / ن - ف / ب / م).
فالهَوائِيَّةُ (و / ا / ي) [329] يُنظَر: ((علم الدلالة والمعجم العربي)) لعبد القادر أبو شريفة، وحسن لافي، وداود غطاشة (ص: 119). .
فسمَّى كلَّ حَرفٍ كِتابًا؛ حيثُ يَبدأُ بكِتابِ العَينِ، وإليه تُنسَبُ تَسميةُ الكِتابِ، على عادَةٍ درَج عليها العَربُ؛ كتَسميةِ سُوَرِ القُرآنِ الكَريمِ حسَبَ أوَّلِها.
وقد قسَّم الخَليلُ الألفاظَ إلى ثُنائيٍّ وثُلاثيٍّ ورُباعيٍّ وخُماسيٍّ فقط.
أمَّا كَيفيَّةُ التَّقاليبِ، فعلى الشَّكلِ الآتي:
الكَلِمةُ الثُّنائيَّةُ يُمكِنُ أن تُقلَّبَ مرَّتَين، فحَرفُها الأوَّلُ يكونُ ثانيًا، والثَّاني أوَّلًا؛ كـ: بر، تُقلَبُ إلى رب.
الكَلِمةُ الثُّلاثيَّةُ يُمكِنُ قَلبُها إلى سِتِّ صُوَرٍ؛ كـ: حبر؛ حيثُ تُقلَبُ إلى: برح، ورحب، وبحر، وربح، وحرب.
الكَلِمةُ الرُّباعيَّةُ صُوَرُ قَلبِها تَرتفعُ إلى أربَعٍ وعِشرين صُورةً.
في حين تَصِلُ الخُماسيَّةُ إلى مئةٍ وعِشرين صُورةً.
ومِنَ المُؤلَّفاتِ المُرتَّبةِ على الحُروفِ الحَلقيَّةِ ومَقلوباتِها:
البارِعُ في اللُّغةِ؛ لأبي إسماعيلَ بنِ القاسِمِ القالِّي البَغداديِّ (تُوفِّي: 356 هـ).
تَهذيبُ اللُّغةِ؛ للإمامِ أبي مَنصورٍ مُحمَّدِ بنِ أحمَدَ الأَزهريِّ (تُوفِّي: 370 هـ).
المُحيطُ في اللُّغةِ؛ للإمامِ الصَّاحِبِ إسماعيلَ بنِ عبَّادٍ الطَّالقانيِّ (تُوفِّي: 385 هـ).
المُحكَمُ والمُحيطُ الأعظَمُ في اللُّغةِ؛ للإمامِ أبي الحَسَنِ عليِّ بنِ إسماعيلَ بنِ سِيدَه الأندلُسيِّ (تُوفِّي: 458 هـ).
المَدرسةُ الهِجائيَّةُ:
حيثُ تُرتَّبُ المَوادُّ حسَبَ الحَرفِ الأوَّلِ؛ أي: تبَعًا لتَرتيبِ الحُروفِ الهِجائيَّةِ مِنَ الهَمزةِ إلى الياءِ، وهي طَريقةٌ شائِعةٌ؛ لسُهولةِ مُراجَعةِ مَعاجِمِها وحِفظِ حُروفِها.
ومِنَ المُؤلَّفاتِ على هذه الطَّريقةِ:
كِتابُ الجِيمِ؛ لأبي عَمرِو بنِ إسحاقَ بنِ مِرارٍ الشَّيبانيِّ (تُوفِّي: 206 هـ)، وقيل: إنَّ المُرادَ بالجِيمِ في اللُّغةِ الدِّيباجُ، فكأنَّه سمَّاه به لحُسنِه.
جَمهَرَةُ اللُّغةِ؛ لأبي بَكرٍ مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ دُرَيدٍ الأزديِّ البَصريِّ (321 هـ).
مُعجَمُ مَقاييسِ اللُّغةِ؛ لأحمَدَ بنِ فارِسٍ (تُوفِّي: 395 هـ).
مُجمَلُ اللُّغةِ؛ لابنِ فارِسٍ، وهو كِتابٌ مُختصَرٌ، يَحوي قُرابةَ خَمسةِ آلافِ مادَّةٍ تَقريبًا، رام مُؤلِّفُه مِن تأليفِه الجَمعَ والتَّرتيبَ، وسُهولةَ الوُصولِ للمُفرَداتِ، معَ الاختِصارِ وتَحرِّي الدِّقَّةِ في صِحَّةِ المَعاني.
أساسُ البَلاغةِ؛ لأبي القاسِمِ مُحمَّدِ بنِ عُمرَ بنِ مُحمَّدٍ الخُوَارزميِّ، المُلقَّبِ بجارِ اللهِ الزَّمَخشَريِّ (538 هـ)، وهو مُعجَمٌ مُختصَرٌ، اعتَنى فيه بإيرادِ المَعاني البَلاغيَّةِ للكَلِمةِ لا سيَّما المَجازِ، والاستِشهادِ عليها.
ومِنَ المَعاجِمِ اللُّغويَّةِ الحَديثةِ:
المُعجَمُ الوَسيطُ: ألَّفَه مَجموعةٌ مِن أعضاءِ المَجمَعِ اللُّغويِّ بالقاهِرةِ.
المُنجِدُ في اللُّغةِ والأعلامِ؛ للُويس مَعلوف.
المُعجَمُ الوَجيزُ في المُصطلَحاتِ التَّربويَّةِ؛ تَأليفُ ميرغني دفع الله أحمد.
المَدرسةُ الأبجديَّةُ:
وتُرتَّبُ الكَلِماتُ حسَبَ الحَرفِ الأخيرِ، مَثَلًا كَلِمةُ (كتَب)، تُوجَدُ في حَرفِ الباءِ، وذلك لثُبوتِ الحَرفِ الأخيرِ مِنَ الكَلِمةِ وتَغيُّرِ الحَرفِ الأوَّلِ تَغيُّرًا كَثيرًا عند التَّصريفِ والقَلبِ، وهي طَريقةٌ تُلائِمُ الكُتَّابَ والشُّعراءَ؛ لاعتِنائِهم بالسَّجعِ والقَوافي.
ومِن أمثِلةِ المُؤلَّفاتِ على هذه الطَّريقةِ:
التَّقفيةُ في اللُّغةِ؛ لأبي بِشرٍ اليَمانِ بنِ أبي اليَمانِ البَندَنيجيِّ (تُوفِّي: 284 هـ).
تاجُ اللُّغةِ وصَحاحُ العَربيَّةِ، أوِ (الصَّحاح)؛ للإمامِ إسماعيلَ بنِ حمَّادٍ الجَوهريِّ (تُوفِّي: 393 هـ، أو ما بعدَها)، ويُعَدُّ مِن أجوَدِ المَعاجِمِ وأنفَعِها، وقد شمِل أربعينَ ألفَ مادَّةٍ لُغَويَّةٍ.
لِسانُ العَربِ؛ للعَلَّامةِ جَمالِ الدِّينِ مُحمَّدِ بنِ مُكرَّمِ بنِ مَنظورٍ الإفريقيِّ (تُوفِّي: 711 هـ).
القاموسُ المُحيطُ؛ للفَيروزاباديِّ (تُوفِّي: 817 هـ) [330] يُنظَر: ((المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها)) لأحمد بن عبد الله الباتلي (ص: 17 وما بعدها). .
وهذه المَعاجِمُ -أي: مَعاجِمُ الألفاظِ- هي مَعاجِمُ تَشتمِلُ على كلِّ كَلِماتِ لُغةٍ ما، مُرتَّبةً تَرتيبًا مُعيَّنًا، معَ تَفسيرِ مَعنى كلٍّ منها، وذِكرِ معلوماتٍ عنها، وتُكوِّنُ الكَلِمةُ مادَّتَها الرَّئيسةَ، والمَعاجِمُ اللُّغويَّةُ قِوامُها ألفاظُ اللُّغةِ، فتَشرَحُها وتُظهِرُ كَيفيَّةَ وُرودِها في الاستِعمالِ، ولا تُفيدُ إلَّا الباحِثَ الَّذي يَتوفَّرُ على اللَّفظِ دونَ المَعنى.

انظر أيضا: