موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: جَمْعُ اللُّغةِ وتَأليفُ المَعاجِمِ


لقد نشَأتْ حَركةُ التَّأليفِ في المَعاجِمِ العَربيَّةِ على أساسِ المادَّةِ الَّتي جمَعها اللُّغويُّون في البادِيةِ في القَرْنِ الثَّاني الهِجريِّ؛ فقد خرَجتْ أعْدادٌ كَبيرةٌ مِنَ اللُّغويِّين إلى البادِيةِ، وبدأ كلٌّ منهم بجَمْعِ اللُّغةِ مِن أبْناءِ القبائِلِ العَربيَّةِ المُختلِفةِ، وبذلك قد تمَّ إنْجازُ أوَّلِ عمَلٍ لُغويٍّ مَيدانيٍّ في الجَزيرةِ العَربيَّةِ، ولاحَظَ كَثيرٌ مِنَ البَدْوِ اهْتِمامَ اللُّغويِّين بتَلقِّي اللُّغةِ عنهم، فهاجَروا إلى جَنوبِ العِراقِ؛ حيثُ ازْدَهرتْ عُلومُ اللُّغةِ في البَصْرةِ والكوفةِ، وأخَذوا يَبِيعون المادَّةَ اللُّغويَّةَ الَّتي عندَهم لكلِّ مَنْ يَنشُدُها مِنَ اللُّغويِّين، ولم تكنْ عَمليَّةُ جَمْعِ اللُّغةِ شامِلةً لتَسْجيلِ كلِّ الألْفاظِ الَّتي عرَفتْها القَبائِلُ العَربيَّةُ، بل كان اللُّغويُّون يَصدُرون في اخْتِيارِهم للقَبائِلِ واخْتِيارِهم للرُّواةِ عن مَبدَأٍ أساسيٍّ؛ هو تَسْجيلُ اللُّغةِ الفُصْحى، والابْتِعادُ عنِ الصِّيَغِ والألْفاظِ غيرِ الفُصْحى، وبِهذا المِعْيارِ ركَّز اللُّغويُّون عمَلَهم على لُغةِ تلك القَبائِلِ الَّتي تَقْتربُ كلَّ الاقْتِرابِ منَ العَربيَّةِ الفُصْحى، ورفَضوا لَهَجاتِ القَبائِلِ البَعيدةِ عنِ الفُصْحى، وبَينَ هذا وذلك صُنِّفتْ لَهَجاتُ القَبائِلِ المُختلِفةُ، وظلَّ هذا الأساسُ سائِدًا في عَمليَّةِ جَمْعِ اللُّغةِ في القَرْنِ الثَّاني الهِجريِّ. وبذلك حفِظتْ لنا كُتُبُ اللُّغةِ الاسْتِخدامَ اللُّغويَّ عند مَجْموعةٍ مِنَ القَبائِلِ العَربيَّةِ الشَّماليَّةِ، وقدِ اهتمَّ اللُّغويُّون بقَبائِلِ قيسٍ وتَميمٍ وأسَدٍ وهُذيلٍ، وبعضِ بُطونِ قَبيلةِ كِنانةَ، وبعضِ بُطونِ طَيِّئٍ [297] نص الفارابي المقتبس في ((المزهر)) للسيوطي (1/ 211). .

انظر أيضا: