موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: مَوضوعُ اللِّسانيَّاتِ الاجْتِماعيَّةِ


(تهتَمُّ اللِّسانيَّاتُ الاجتماعيَّةُ برَبطِ المُعطى اللِّسانيِّ بالظَّواهِرِ الاجتماعيَّةِ؛ فاللِّسانُ له أساليبُ مُعَقَّدةٌ مُرتَبِطةٌ بالطَّبَقاتِ الاجتِماعيَّةِ وحركتِها داخِلَ المُجتَمَعِ وترتيبِها، وانتِقالُ الكَلِمةِ من مُجتَمَعٍ إلى آخَرَ يُكسِبُها معنًى جديدًا، ومن هنا تَبرُزُ قضيَّةُ اتصالِ الألسُنِ، وأثَرُها في تشكيلِ النِّظامِ اللُّغَويِّ والمُعجَميِّ للَّسانِ، ممثَّلةً في التداخُلِ الأُسلوبيِّ والتَّركيبيِّ، والدَّخيلِ المُعجَميِّ، فتؤثِّرُ هذه القضايا في مجرى اللِّسانِ ودَلالتِه، ووظائفِه الاتِّصاليَّةِ والتواصُليَّةِ؛ لذا فإنَّ مجالاتِ اهتمامِ اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةِ مُتعَدِّدةٌ ومُتنَوِّعةٌ) [87] يُنظَر: ((المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم)) خليفة الميساوي (ص28). . ويُحَدِّدُ دِيفِيد كِريسْتال اهتِمامَ هذا العِلمِ بقَولِه: (يَدرُسُ عِلمُ اللُّغةِ الاجتماعيُّ الطُّرُقَ التي تتفاعَلُ بها اللُّغةُ مع المُجتَمَعِ، إنَّه يَدرُسُ الطَّريقةَ التي بها تتغَيَّرُ البِنيةُ اللُّغَويَّةُ؛ استجابةً لوظائِفِها الاجتِماعيَّةِ المُختَلِفةِ، والتَّعريفَ بماهيَّةِ هذه الوظائِفِ) [88] يُنظَر: ((مدخل إلى علم اللغة)) محمد حسن عبد العزيز (ص: 91). .
وقد أكَّد مارْسِيلِزي MARCELLISI على أنَّ (اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةَ تهدُفُ إلى إعادةِ إدماجِ دراسةِ اللُّغةِ في سياقِها الاجتِماعيِّ)Marcellisi.J.B: De la crise de la linguistique a la linguistique de crise: La sociolinguistique . IN. La pensée . N° 209 . 1980 . P16. . نقلًا عن: ((اللغة بين اللسانيات واللسانيات الاجتماعية)) عز الدين صحراوي، قسم اللغة العربية وآدابها – كلية الآداب والعلوم الاجتماعية – جامعة محمد خضير بسكرة – العدد الخامس 2004 م (196).. فقد (كان الدَّافِعُ وراءَ تطويرِ عِلمِ اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةِ يَكمُنُ في أهمِّيَّةِ هذه العَلاقةِ بَينَ اللُّغة والمُجتَمَعِ؛ حيثُ يهتَمُّ الباحِثُ في اللِّسانيَّاتِ بما يوافِقُ عِلمَ اللِّسانيَّاتِ الاجتماعيَّةِ من معرفةٍ حولَ المُستَوياتِ اللُّغَويَّةِ المُستَعمَلةِ في المواقِفِ التواصليَّةِ في إطارِ الرَّوابِطِ الاجتماعيَّةِ) [90] يُنظَر: ((اللغة بين اللسانيات واللسانيات الاجتماعية)) عز الدين صحراوي (ص: 196). . فلِلُّغةِ استِعمالاتٌ مُتنَوِّعةٌ؛ فهي وسيلةُ تعبيرٍ اجتماعيٍّ، عِلميٍّ، سياسيٍّ واقتصاديٍّ؛ ممَّا يُحتِّمُ دراسةَ خصائِصِ هذه الاستِعمالاتِ المُختَلِفةِ، ومَعرفةَ أبعادِ التكَيُّفِ اللُّغَويِّ مع مختَلِفِ الأغراضِ والمواقِفِ) [91] يُنظَر: ((اللغة العربية في إطارها االجتماعي)) لمصطفى لطفي (ص: 44). .
فتُعْنى اللِّسانيَّاتُ الاجْتِماعيَّةُ بدِراسةِ الوَظيفةِ الاجْتِماعيَّةِ للُّغةِ، أي: تَدرُسُ التَّبدُّلاتِ الاجْتِماعيَّةَ للُّغةِ في عَلاقتِها بالمُتكلِّمينَ النَّاطِقينَ، مِن حيثُ السِّنُّ، والجِنْسُ، والفِئةُ الاجْتِماعيَّةُ، والوَسَطُ، والمُسْتوى المِهنيُّ، والمُستوى التَّعليميُّ؛ وتَحْليلِ العَلاقةِ القائِمةِ بَينَ اللُّغةِ والمُمارَساتِ الاجْتِماعيَّةِ (العائِليَّة، والدِّراسيَّة، والوَظيفيَّة...)، ثمَّ تَفْسيرِ الوَظيفةِ الاجْتِماعيَّةِ للُّغةِ، والاهْتِمامِ بقَضايا لُغويَّةٍ واجْتِماعيَّةٍ كُبْرى تَتعلَّقُ باللُّغةِ الأمِّ، ومَوتِ اللُّغاتِ، وعَلاقةِ اللُّغةِ باللَّهْجةِ والفَصيلَةِ، والثُّنائيَّةِ والتَّعدُّديَّةِ اللُّغويَّةِ، والأنْظِمةِ اللُّغويَّةِ المُركَّبةِ والمُعقَّدةِ، وتَدبيرِ التَّعدُّدِ اللُّغويِّ، والسِّياساتِ اللُّغويَّةِ، والتَّخْطيطِ اللُّغويِّ....
وإذا كانتِ اللِّسانيَّاتُ البِنيويَّةُ السُّوسيريَّةُ (نِسْبةً إلى دي سوسير) تَهتَمُّ بدِراسةِ اللُّغةِ في حدِّ ذاتِها، فإنَّ اللِّسانيَّاتِ الاجْتِماعيَّةَ تَدرُسُ الكَلامَ أوِ التَّلفُّظَ في عَلاقتِه بالسِّياقِ التَّواصُليِّ الاجْتِماعيِّ. وهذا له عَلاقةٌ وَطيدةٌ بلِسانيَّاتِ التَّلفُّظِ عندَ باختين، وبنفنست، ودوكرو، وأوريكشيوني، ومانغونو، وآخَرينَ [92] يُنظَر: ((علم اللغة الاجتماعي، مقدمة نظرية)) لعبد الكريم بوفرة (ص:11). . وللارتِباطِ الشَّديدِ بَينَ اللُّغةِ والمُجتَمَعِ ظَهَر عِلمٌ يَدرُسُ اللُّغةَ في إطارِها الاجتماعيِّ؛ فهو بهذا التصَوُّرِ يندَرِجُ ويندَمِجُ كثيرًا مع اللِّسانيَّاتِ بمفهومِها الشُّموليِّ؛ حيث تهتَمُّ في المقامِ الأوَّلِ بالوظائِفِ اللِّسانيَّةِ التي لها صلةٌ فقط بالتَّطبيقاتِ داخِلَ المُجتَمَعِ. فإذا كانت العَلاقةُ: لغة -مُجتَمَع، تُعَدُّ واحدةً من الإشكاليَّاتِ الأساسيَّةِ للِّسانيَّاتِ العامَّةِ؛ فإنَّ اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةَ، وبفَضلِ ما تتوفَّرُ عليه من تِقْنيةٍ ومَنهجيَّةٍ فَعَّالةٍ، تجِدُ نَفسَها مهتَمَّةً بذاتِ الإشكاليَّةِ اللِّسانيَّةِ والاجتِماعيَّةِ.
1- إنَّ عالِمَ اللِّسانيَّاتِ يهتَمُّ بما يوافِقُ عِلمَ اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةِ من معرفةٍ حولَ اللُّغةِ المُستخدَمةِ في عمليَّةِ الاتِّصالِ داخِلَ الرَّوابِطِ الاجتماعيَّةِ، وما يرتَبِطُ بها من أمثلةٍ للسُّلوكِ اللُّغَويِّ ووظائِفِ عَمليَّةِ الاتِّصالِ.
2- إنَّ عالِمَ اللِّسانيَّاتِ يَستَهدِفُ اكتِشافَ ووَصفَ العوامِلِ والأبنيةِ اللُّغَويَّةِ والعَمَليَّاتِ التي تجعَلُ اللُّغةَ المُستَخدَمةَ كأداةٍ لعَمَليَّةِ الاتِّصالِ، فهو بهذا يميلُ إلى دراسةِ الكيفيَّةِ التي يستَخدِمُ بها النَّاسُ قواعِدَ لُغتِهم، والأغراضِ التي تُستخدَمُ من أجْلِها تلك القواعِدُ، والأوضاعِ المُختَلِفةِ التي تُستخدَمُ فيها، وما يطرَأُ عليها من تغيُّراتٍ، وما يصاحِبُ تلك التغَيُّراتِ من أخطاءٍ لُغَويَّةٍ. أمَّا بالنِّسبةِ لعِلمِ اللِّسانيَّاتِ الاجتِماعيَّةِ فإنَّ هذا التَّحديدَ الخاصَّ يندَرِجُ ضِمنَ آليَّاتِ التَّواصُلِ اللُّغَويِّ، والذي يُعَدُّ المجالَ الحَيَويَّ لها؛ ممَّا يتيحُ لها قُدرةَ وَصفِ اللُّغةِ أثناءَ استِعمالِها) [93] يُنظَر: ((اللغة بين اللسانيات واللسانيات الاجتماعية)) لعز الدين صحراوي (ص: 173). .

انظر أيضا: