موسوعة اللغة العربية

المبحث الأوَّلُ: عَلاقةُ عِلمِ اللُّغةِ بالعُلومِ الطَّبيعيَّةِ


يَسْتَعينُ عِلمُ اللُّغةِ بعُلومٍ أخرى؛ كالعُلومِ الإنْسانيَّةِ والعُلومِ الطَّبيعيَّة، مِثلُ: عِلمِ الاجْتِماعِ العامِّ، وعِلمِ الأجْناسِ البَشريَّةِ، وعِلمِ الوِراثَةِ، وعِلمِ الحَياةِ العامِّ، وعِلمِ وَظائِفِ الأعْضاءِ، وعِلمِ التَّشْريحِ، وأمْراضِ الكَلامِ، والتَّاريخِ، والجُغرافيا؛ فليستِ اللُّغةُ بمَعزِلٍ عنِ العُلومِ الأخرى، فلَها ارْتِباطٌ وَثيقٌ بعُلومِ الطَّبيعةِ؛ فأصْواتُ لُغةِ الكَلامِ تَنتِجُ وتُستَقبَلُ عن طَريقِ أجْهِزَةِ الجِسمِ الإنْسانيِّ، وتَركيبُ هذه الأجْهِزَةِ ووَظائِفُها جُزءٌ مِن عِلمِ وَظائِفِ الأعْضاءِ، وكذلك فإنَّ انْتِقالَ الصَّوتِ على شَكْلِ مَوجاتٍ صَوتيَّةٍ عبْرَ الهواءِ يَدخُلُ في اخْتِصاصِ عِلمِ الطَّبيعةِ، وبخاصَّةٍ ذلك الفَرْعُ المَعْروفُ بعِلمِ الصَّوتِ، ولكنَّ اللُّغةَ مِن ناحيةٍ أخرى لها عَلاقةٌ وَثيقَةٌ بعِلمِ الإنْسانِ، وعِلمِ الاجْتِماعِ، باعْتِبارِها نِتاجَ عَلاقةٍ اجْتِماعيَّةٍ، ووَسيلةَ نَقْلِ الثَّقافةِ الَّتي تُعَدُّ مِن وِجْهةِ نَظَرِ عِلمِ الإنْسانِ مَجْموعةَ تَقاليدِ الشَّعبِ، وأوجُهَ اسْتِعمالاتِه للُغتِه، وبالنَّظَرِ إلى وَظيفةِ اللُّغةِ بوَصْفِها تَعْبيرًا عنِ الفِكرِ يُمكِنُ اعْتِبارُ اللُّغةِ جُزءًا مِن عِلمِ النَّفْسِ [38] يُنظَر: ((أسس علم اللغة)) لأحمد مختار عمر (ص: 42). .
وكَثيرٌ مِنَ المَعْلوماتِ الخاصَّةِ بنَشْأةِ اللُّغةِ الإنْسانيَّةِ وبتَطوُّرِها، وبصِلَةِ ذلك المُخِّ الإنْسانيِّ، وكَثيرٌ مِنَ المَسائِلِ المُتعلِّقةِ باكْتِسابِ اللُّغةِ- لا مَفرَّ في أثْناءِ التَّعرُّضِ لها مِنَ الاسْتِعانةِ بعِلمِ الأجْناسِ البَشريَّةِ (الأنثروبولوجيا)، وبعِلمِ الوِراثةِ (Genetics)، وبعِلمِ الحَياةِ العامِّ ((General Biology فضْلًا عن عِلمِ الاجْتِماعِ [39] يُنظَر: ((علم اللغة مقدمة للقارئ العَربي)) لمحمود السعران (ص: 62). .
(ولَمَّا كانت اللُّغةُ نُقطةَ التِقاءٍ بَينَ عِلمِ اللُّغةِ وشَتَّى فروعِ المعرفةِ، فقد أدَّى هذا إلى التَّعاوُنِ المُتبادَلِ بَينَهما، وصارت البحوثُ اللُّغَويَّةُ الحديثةُ تستعينُ بالعُلومِ الأُخرى؛ رغبةً في الكَشفِ عن أسرارِ النِّظامِ اللُّغَويِّ بكُلِّ مُستوياتِه، على نحوِ ما يظهَرُ في استعانةِ اللُّغَويِّين بعِلمِ التَّشريحِ وعِلمِ الفيزياءِ في دراسةِ نُطقِ الصَّوتِ اللُّغَويِّ وصفاتِ الصَّوتِ اللُّغَويِّ الفيزيائيَّةِ، وأثَرِها في السَّمعِ، ووُضوحِ الصَّوتِ اللُّغَويِّ، والعوامِلِ المؤثِّرةِ في ذلك. ومن جانِبٍ آخرَ فإنَّ فُروعَ المعرفةِ الأُخرى تستعينُ باللُّغةِ كوسيلةٍ ووِعاءٍ لهذه العُلومِ، فنشأت فروعٌ معرفيَّةٌ حديثةٌ عِندَ نقطةِ الالتقاءِ بَينَ هذه العُلومِ واللُّغةِ؛ وفاءً بحاجةِ هذه العلومِ من اللُّغةِ، وكُلُّ عِلمٍ يُرَكِّزُ على زوايا اهتمامِه بالقَدْرِ الذي يكفيه، ومن خلالِ البَحثِ العِلميِّ الحديثِ الذي يعتَمِدُ على المنهجيَّةِ والموضوعيَّةِ والتجريدِ والشُّمولِ تقدَّمت هذه العلومُ التي تقعُ في المجالِ المُشتَرَكِ بَينَ اللُّغةِ وفُروعِ المَعرِفةِ الأُخرى. ولتعدُّدِ وتنَوُّعِ فروعِ المعرفةِ بصورةٍ قد تَضيقُ عن الحَصرِ؛ فقد تعدَّدت هذه العلومُ إلى الدَّرجةِ التي جعَلَت أحَدَ مُؤتَمَراتِ عِلمِ اللُّغةِ التَّطبيقيِّ يتَّفِقُ على أهَمِّ فُروعِ هذا العِلمِ، على نحوِ ما ذكَره الأستاذُ الدُّكتورُ أحمد مختار عُمَر، وفيما يلي بيانٌ بأهمِّ الفُروعِ، كما وردت في كتابِه: تعليمُ اللُّغةِ الأمِّ واللُّغاتِ- الاختياراتُ اللُّغَويَّةُ- التَّخطيطُ اللُّغَويُّ- عِلمُ اللُّغةِ التَّقابُليُّ- صناعةُ المُعجَمِ- التَّحليلُ الأُسلوبيُّ- أنظِمةُ الكتابةِ- عِلمُ اللُّغةِ الاجتِماعيُّ- محاولةُ وَضعِ لُغةٍ عالَميَّةٍ- الإلقاءُ وعُيوبُ النُّطقِ- عِلمُ اللُّغةِ الإحصائيُّ- عِلمُ اللُّغةِ الاجتِماعيُّ- عِلم اللُّغةِ النَّفسيُّ [40] يُنظَر: ((محاضرات في علم اللغة الحديث)) أحمد مختار عمر (ص: 55). . وقد جرت عادةُ اللُّغَويِّين على تصنيفِ عِلمِ اللُّغةِ إلى قِسمَينِ كبيرَينِ هما: عِلمُ اللُّغةِ النَّظَريُّ، وعِلمُ اللُّغةِ التَّطبيقيُّ، ولكُلِّ قِسمٍ فُروعٌ مُتعَدِّدةٌ، وتحتَ كُلِّ فَرعٍ تفريعاتٌ جُزئيَّةٌ، وفيما يلي تعريفٌ ببعضِ هذه الفُروعِ، وبخاصَّةٍ في جانبِ عِلمِ اللُّغةِ التَّطبيقيِّ؛ لصِلتِها الوثيقةِ باللُّغةِ من جانبٍ، وقِدَمِها بَينَ الفروعِ الأُخرى من جانبٍ آخَرَ. وأهَمُّ هذه العُلومِ:
(عِلمُ اللُّغةِ الاجتماعيُّ Sociolinguistics.
(عِلمُ اللُّغةِ النَّفسيُّ Psycholinguistics.
(عِلمُ اللُّغةِ الأَنثروبولوجيُّ Anthropological Linguistics.



انظر أيضا: