موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الثَّاني: انتِشارُ الكِتابةِ بَينَ العَرَبِ


ذَكَرْنا أنَّ العَربَ قد عَرفَتِ الكِتابةَ قَديمًا ولَكِن على استِحياءٍ، لَكِن مع نُزولِ القُرآنِ الكَريمِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحاجَتِه إلى التَّدوينِ والكِتابةِ، هنا بَدَأ العَرَبُ يَهتَمُّونَ بأمرِ القِراءةِ والكِتابةِ، فبادرَ الكَثيرُ منهم في تَعَلُّمِ الكِتابةِ العَربيَّةِ؛ ليَقرَؤوا كِتابَ اللهِ ويَتَدَبَّروا مَعانيَه، ولتَكونَ لهم حظوةٌ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَتَقَرَّبوا منه ويَستَعمِلَهم لذلك.
ولما اختَلَطَ العَرَبُ بالأعاجِمِ، وانتشر الإسلامِ، ودَخلَ به الكَثيرُ من غَيرِ العَرَبِ، ظَهرَ اللَّحنُ في اللُّغةِ العَربيَّةِ، وخَشِي العُلَماءُ أن يَطولَ هذا الفَسادُ القُرآنَ الكَريمَ؛ فعَمدوا إلى ضَبطِ اللُّغةِ العَربيَّةِ -نَحوًا وكِتابةً- بتَشكيل آخِرِ الكَلماتِ، وقامَ بهذا أبو الأسودِ الدُّؤليِّ بتَكليفٍ من زيادِ ابنِ أبيه أميرِ العِراقِ نحو سنةِ 67هـ، واستعانَ الدُّؤليُّ في ذلك بعَلاماتٍ كانت عِندَ السُّرْيانِ يَدلُّونَ بها على الرَّفعِ والنَّصبِ والجَرِّ، ويُميزونَ بها بَينَ الاسمِ والفِعلِ والحَرفِ [398] يُنظر: ((قصة الكتابة العربية)) لإبراهيم جمعة (ص: 49، 50). .
ثُمَّ عَمدوا إلى ضَبطِ الحُروفِ العَرَبيَّةِ عن طَريقِ الإعجامِ -النَّقْطِ-؛ ليَزولَ الالتِباسُ بَينَ الحُروفِ المُتَشابِهةِ كالدَّالِ والذَّال، بوضعِ نُقطةٍ على الذَّال، وقامَ بذلك يَحيى بن يَعمرَ ونَصْر بن عاصِمٍ بأمرٍ من عَبدِ المِلكِ بن مَروانَ، ثُمَّ جاءَ الخَليلُ بن أحمَدَ فألغى العَلاماتِ التي وضَعَها أبو الأسوَدِ الدُّؤليُّ -والتي صارَت مُتَشابِهةً مع النَّقطِ الذي وضَعَه يَحيى بن يَعمرَ ونَصرُ بن عاصِمٍ- وابتَكَرَ عَلاماتٍ أُخرى للدَّلالةِ على الحَرَكاتِ -وهيَ المُستَخدَمةُ الآنَ [399] يُنظر: ((قصة الكتابة العربية)) لإبراهيم جمعة (ص: 51 - 53). .
ومُنذُ حَذِقَ العَرَبُ الكِتابةَ في صَدرِ الإسلامِ وعُرِفَت قيمَتُها في التَّدوينِ، عَمِلَ الخَلفاءُ على تَقريبِ الكُتَّابِ منهم، وكان لكُلِّ خَليفةٍ كُتَّابُه الذين يَثِقُ فيهم، فيَضَعُهم على رَأسِ دَواوينِه مُنذُ نَقَل عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ نِظامَ الدَّواوينِ عنِ الفُرْسِ. وكُتُبُ الأدَبِ عامِرةٌ بكَثيرٍ من أسماءِ حُذَّاقِ الكِتابةِ منَ العَرَبِ والأعاجِمِ، وفَضلُ هؤُلاءِ كبيرٌ في ذُيوعِ أمرِ الكِتابةِ [400] يُنظر: ((فقه اللغة)) لحاتم صالح الضامن (ص: 128). .

انظر أيضا: